أول سؤال يتبادر إلى الذهن، بعد كل هذه الإثارة التي أعقبت مفاجأة الحديث عن استعداد رئيس ائتلاف المعارضة السورية للتحاور مع مسؤولين في نظام بشار الأسد "من غير الذين تلطخت أيديهم بدماء أبناء الشعب السوري"، وبشروط من بينها الإفراج عن مئة وستين ألفاً من سجناء الثورة، ما الضغوطات التي تعرض لها معاذ الخطيب حتى يقول هذا الكلام، وحتى يجتمع أيضاً مع وزير الخارجية الإيراني بدون علم ولا استشارة زملائه في قيادة هذا الائتلاف؟!

Ad

إنه غير ممكن أن يبادر معاذ الخطيب إلى الإقدام على خطوة كهذه، تعتبر بمثابة تحول "استراتيجي" في مسار الصراع الدامي المحتدم في سورية، أولاً بدون علم ومعرفة زملائه في قيادة المعارضة السورية، وثانياً بدون استشارة الدول العربية المعنية بقرب عن هذا الأمر الخطير لو لم يتعرض لضغوطات جدية، ولو لم يطلب منه رد عاجل لا يحتمل "التسويف" ولا التأخير.

ولعل ما يرجح هذا الاحتمال أن مسارعة معاذ الخطيب إلى قول ما قاله، وإلى إصراره على التمسك باقتراحه هذا، رغم معارضة ورفض عدد من زملائه، قادة هذا الائتلاف، قد جاءت بعد موجة اتصالات ولقاءات جديدة تمت في ميونيخ، شارك فيها وزير الخارجية الأميركي الجديد، ووزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، وبعض المسؤولين في دول الاتحاد الأوروبي، ما يشير إلى أنه قد يكون هناك حل سياسي للأزمة السورية بات يقف على الأبواب، وأنه كان على رئيس المعارضة السورية أن يتخذ هذا الموقف، من قبيل حشر نظام بشار الأسد في الزاوية، وإثبات تمسكه بالحلول الأمنية والعسكرية، رغم كل ما يقوله خلافاً لذلك.

وحقيقة، إنه قد تكون هناك لعبة وراءها الروس والإيرانيون لأخذ معاذ الخطيب إلى هكذا خطوة تشبه مجرد القفز في الهواء فوق ألسنة نيران متأججة، بهدف دق أسافين الخلاف بين مكونات المعارضة السورية، خاصة أنها باتت تواجه ظروفاً دقيقة وحساسة وصعبة، وإعطاء نظام بشار الأسد المزيد من الوقت ليعيد ترتيب أوراقه، وليواصل الهجوم السياسي والعسكري الذي كان قد لجأ إليه في الفترة الأخيرة.

ولهذا فقد كان الأسلم والأفضل لو أن الشيخ معاذ الخطيب قد أعطى لنفسه مهلة، قبل الإقدام على مثل هذه الخطوة المباغتة التي أثارت كل هذه الضجة وكل هذه التساؤلات، للتشاور مع زملائه في الائتلاف الوطني، وأخذ رأي بعض الدول العربية الحريصة على تماسك ثورة الشعب السوري وأنصارها، بعد كل هذه التضحيات الجسام التي قدمها هذا الشعب المكافح الشجاع... ألم يكن من الضروري ألا يتسرع قائد المعارضة السورية، ويقفز هذه القفزة غير المضمونة العواقب، وبدون أي ضمانات فعلية، وقبل أن تغير على الأقل مواقفها التي هي أكثر تصلباً من مواقف بشار نفسه؟!

في كل الأحوال وبانتظار معرفة المزيد من الحقائق حول هذه الخطوة الخطيرة، التي أقدم عليها الشيخ معاذ الخطيب، فإنه لا يجوز أن يقع قادة المعارضة السورية في الحفرة التي قد يكون حفرها لهم نظام بشار الأسد وحلفاؤه، وأولهم الروس، ويبدأون شن حرب كلامية على بعضهم، على خلفية كل هذا الذي جرى فالمفترض في مثل هذه الحالات ضبط ردود الأفعال ومعالجة الأمور بالمزيد من التأني والروية والحذر، والمزيد من الحذر من الوقوع في شرك اللعبة القذرة التي أرادت إيقاعهم فيها روسيا، والتي من غير المتوقع أن تتخلى عن الموقف الذي بقيت تقفه وتتمسك به منذ بداية هذه الأحداث الدامية.