أزمة الطلبة أخلاقية
مازلت أذكر هول الصدمة الحضارية التي أصابتني عندما بدأت ممارسة عملي كأستاذة في جامعة الكويت، صدمني كم الانحرافات الأخلاقية المنتشرة في المجتمع، والمقبولة اجتماعياً في نفس الوقت، صدمتني لغة الخطاب، خصوصاً الديني والسياسي، التي تركز على الأخلاق وتحارب الفساد بكل أشكاله، لاسيما الفساد الأخلاقي، وتركز على السلوكيات الشخصية التي لا تضر الآخرين، وتتجاهل مظاهر الفساد الحقيقية، فغالبية مواقف السياسيين ونواب الأمة المكبلة للحريات الشخصية تبنى على أساس تعزيز الأخلاق.وجدت حالة من التناقض الغريب يعيشها غالبية الأفراد في المجتمع بين الخطاب والممارسة، بين ما يتفوهون به وما يمارسونه في سلوكياتهم اليومية وحياتهم الخاصة. تناقض لدرجة الانفصام في الشخصية، وبما أن الإنسان غالباً ما تبدأ تربيته الأخلاقية في سن مبكرة من خلال تعامله مع المحيط فيبدأ في تعلم قواعد السلوك المقبولة أو المستهجنة يأتي طالب الجامعة مشبعاً بتلك القواعد المتناقضة والسلوكيات غير الأخلاقية.
ففي الوقت الذي ينتقد فيه البعض التعليم المشترك، وتفصل القاعات الدراسية بين الطلاب والطالبات سعياً لتعزيز مكارم الأخلاق وحماية للطلبة من الانحرافات الأخلاقية، نجد الصمت المريب تجاه انتشار مظاهر الغش والكذب والسرقة العلمية والتزوير. كما هو الحال في جميع المؤسسات الحكومية، يستخدم الطلبة الأعذار الطبية لتبرير غيابهم المتكرر، يقدمون إجابات منقولة حرفياً من مصادر أخرى، وينسبونها لأنفسهم، يشترون أبحاثاً أو تقارير تقوم بها مكاتب الطباعة واسعة الانتشار ويقدمونها بأسمائهم، يحرصون على التسجيل عند بعض الأساتذة فقط لأنهم يسمحون بالغش أثناء الاختبار، وفي نفس الوقت يرفضون الاختلاط لأنه غير أخلاقي، طالب ذو توجه إسلامي يثور ضد الفكر الليبرالي لأنه يؤدي إلى الانحلال الأخلاقي، حسب تقييمه، وفي نفس الوقت أكتشف أنه يتلقى راتباً من وظيفة حكومية لمدة سنوات، لم يحضر فيها إلى جهة عمله يوماً واحداً.طلبة آخرون وهم كثر عند الإجابة عن الأسئلة غالباً ما يبررون أحكامهم بأن الشريعة تنص والشرع يحرم، والإجابة تكون منقولة نقلاً حرفياً من الإنترنت دون ذكر المصدر مما يعد سرقة علمية، فضلاً عن كم الطلبة بعد إعلان الدرجات النهائية الذين يصطحبون أولياء أمورهم أو أشخاصاً آخرين للضغط على أستاذ المادة وإحراجه لتغيير الدرجة، أي تزويرها. المفارقة العجيبة أن إحدى الطالبات تعتذر لي وتقول لم أكن أعرف أن ما سبق ذكره من سلوكيات غير مقبولة أخلاقياً!أزمة أخلاقية حقيقية يعيشها جيل المستقبل بدعم وتشجيع من أولياء أمورهم وأساتذتهم وسياسييهم، وإذا عرف السبب بطل العجب.