بصدور قرار محكمة الأمور المستعجلة بعابدين في القاهرة الأسبوع الماضي بحظر جمعية الإخوان المسلمين، والجماعة المنبثقة عنها، وجميع أنشطتها، والتحفظ على أموالها، في الدعوى المقامة من حزب التجمع، أصبحت ثالث مفارقة لحل الجماعة على مدار تاريخها.
رد فعل قادة الجماعة على قرار حلها وحظرها لم يختلف عن رد فعل أعضائها على قرار الحظر الأول، وصف بعضهم القرار بأنه حرب على الإسلام والمسلمين، وأنه موجه إلى الدعوة الإسلامية، وكأن الإسلام أصبح حكراً على جماعتهم. بعد قرار الحل الأول عام 1948 اعتبروه أيضاً حرباً على الإسلام، واعتداء على الدين، واعتداء على شرع الله، كما أنهم رأوا أن قرار حل «الإخوان» لا يصدر عن مؤمن، واعتبروه «قراراً خائناً أصدرته جهات خائنة». وكان هذا مقدمة لاغتيال رئيس الوزراء المصري في ذلك الوقت كما سأبين.سأتوقف سريعاً عند قصتي حظر الجماعة، مع بعض التركيز على ملابسات القرار الأول في هذه المرة، لمحاولة خلق حالة مقارنة بين سلوك الأمس وسلوك اليوم لجماعة ادّعت دائماً أنها دعوية.كان عام 1948 عام الكوارث على الإخوان المسلمين، في السابع والعشرين من فبراير وقع انقلاب على نظام الحكم في اليمن اغتيل فيه الإمام يحيى حميد الدين حاكم اليمن على يد المعارضة بزعامة عبدالله الوزيري، وكان لحسن البنا وللجماعة دور كبير في هذا الانقلاب بالتعاون مع البدر حفيد الإمام يحيى، لإعداد اليمن ليكون أولى دول الخلافة، ولكن الانقلاب لم يدم أكثر من ستة وعشرين يوماً فقط، فكان ذلك بداية التوتر بين ملك مصر وحكومتها من جانب وجماعة الإخوان المسلمين ورجلها الأول حسن البنا «مشروع الخليفة وقتها» من جانب آخر. وفي الثاني والعشرين من مارس من نفس العام (1948) قام التنظيم السري للجماعة باغتيال القاضي أحمد بك الخازندار على يد اثنين من الإخوان، بعدما حكم في قضية كان أحد أطرافها عضواً في الجماعة. وخرج حسن البنا في لقاء الثلاثاء، وهو يوم لقائه بالجماعة من كل أسبوع ليخطب، وأنكر قيام الجماعة باغتيال القاضي أحمد الخازندار إلى أن أثبتت التهمة وثبت كذبه، وتم الحكم على الفاعلين بعد خمسة أشهر.وفي الخامس عشر من نوفمبر من نفس العام (1948) أمسكت الشرطة سيارة جيب بها مستندات تخص جماعة الإخوان المسلمين عبارة عن مخططات تفجير سفارتي أميركا وبريطانيا وأماكن أخرى، ومستندات كل عمليات التفجير التي تمت في الآونة الأخيرة، فضلاً عن بعض القنابل والمتفجرات. والأهم من ذلك القبض على ثلاثة من رجال الإخوان، كان أهمهم مصطفى مشهور أحد الخمسة المؤسسين والمسؤولين عن التنظيم السري.وفي الرابع من ديسمبر من نفس العام جرت تظاهرة بكلية الطب بجامعة فؤاد (القاهرة)، فقاد اللواء سليم زكي -حكيمدار شرطة القاهرة- قوات الأمن لفض التظاهرة، وإذا بطالب ينتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين يلقي عليه قنبلة من الطابق الرابع فسقطت أمامه فمات على الفور. اشتعل الموقف بعد هذا الحادث بين الحكومة السعدية والإخوان، مما دعا حسن البنا إلى أن يطلب من رئيس مجلس النواب حامد جودة في نفس اليوم التوسط لدى محمود النقراشي باشا رئيس الوزراء، لبدء صفحة جديدة بين الجماعة والوزارة، لكن جودة رفض مطلبه. حاول البنا الاتصال بالملك فاروق أو بإبراهيم عبدالهادي رئيس الديوان الملكي، في محاولة لاحتواء الأزمة، ولكن دون فائدة. وبعد يومين من الحادث صدر الأمر بإغلاق صحيفة الإخوان، وفي نفس اليوم خرجت جريدة الأساس جريدة الحزب الحاكم بعنوان «أخبار سارة ستذاع قريباً».في الثامن من ديسمبر من نفس العام (1948)، أي بعد يومين آخرين، وبالتحديد في الساعة العاشرة مساءً، اتصل عبدالرحمن عمار وكيل وزارة الداخلية بالمرشد حسن البنا ليبشره أن أخباراً سارة ستذاع في الراديو بعد قليل من شأنها إنقاذ الموقف، فشكره حسن البنا. وتجمع قادة الجماعة ومعظم المنتمين إليها بالمقر العام في الدرب الأحمر بقلب القاهرة، والتفوا جميعاً حول الراديو في انتظار الأخبار التي ستتم إذاعتها. وفي الساعة الحادية عشرة مساء أذاع راديو القاهرة أمر الحاكم العسكري العام رقم 63 لسنة 1948 بحل جماعة الإخوان المسلمين بكل فروعها في البلاد، ومصادرة أموالها وممتلكاتها. بعد أقل من عشر دقائق خرج الإخوان من المقر العام فوجدوا أن المكان قد تم حصاره من جميع الجهات، وأنهم وقعوا في الفخ وتم القبض عليهم جميعاً ما عدا حسن البنا المرشد العام ومؤسس الجماعة.قرر الإخوان الانتقام من النقراشي باشا رئيس الوزراء رداً على قرار حل الجماعة، والذي رأوا فيه اعتداء على الدين، واعتداء على شرع الله، كما أنهم رأوا أن قرار حل الإخوان لا يصدر عن مؤمن- كما ذكر محمود الصباغ أحد قادة التنظيم السري، وأنهم رأوا أن شخصاً كمثل النقراشي باشا لابد أن يزاح عن الطريق بأي ثمن. وفي صباح يوم الثلاثاء الثامن والعشرين من ديسمبر، أي بعد عشرين يوماً من قرار الحل، وفي بهو وزارة الداخلية، تنكّر شاب من شباب الإخوان المسلمين في زي ضابط وأطلق الرصاص على النقراشي باشا بين أفراد حراسته فأرداه قتيلاً، ودفع ثمن قرار حل الجماعة.وعقب ثورة 23 يوليو عام 1952، أصدر مجلس قيادة الثورة قراراً بحل جميع الأحزاب السياسية في البلاد، مستثنياً جماعة الإخوان المسلمين، لكونها كانت تقدم نفسها «جماعة دينية دعوية»، حيث قال المرشد العام للجماعة وقتئذ حسن الهضيبي لوزير الداخلية سليمان حافظ، إن «الإخوان جمعية دينية دعوية، وأعضاؤها وتكويناتها وأنصارها لا يعملون في المجال السياسي، ولا يسعون إلى تحقيق أهدافهم عن طريق أسباب الحكم كالانتخابات»، ولكن كالعادة حاولت الجماعة القفز والسيطرة على الحكم، فوقع الصدام بين الرئيس الراحل جمال عبدالناصر و»الإخوان»، عقب محاولة اغتياله في ميدان المنشية بالإسكندرية، فتم حل الجماعة للمرة الثانية في 29 أكتوبر 1954.واليوم هذا هو قرار الحل الثالث، الاختلاف ان قرار المحكمة هذه المرة يأتي ليقرر ما هو قائم بالفعل، فالجماعة باتت محظورة بقرار شعبي.
أخر كلام
مَن الخائن القرار أم السلوك؟
28-09-2013