كلما أرادت الحكومات السابقة تبرير عجزها البنيوي المستمر عن الإنجاز وتحقيق التنمية المستدامة، رغم توافر الإمكانات الهائلة سواء الفوائض المالية الضخمة أو القوى البشرية المؤهلة، لجأت إلى الحجة المستهلكة التي ترددها على الدوام، وهي أن السبب هو مجلس الأمة، فلولا وجوده، كما تردد الحكومة ووسائل إعلامها وأصحاب المصالح الخاصة الذين لا يستطيعون العيش مع وجود الرقابة الشعبية، لأصبحت الكويت في مصاف الدول العظمى!

Ad

وبالطبع فقد أثبت التاريخ القريب عدم صحة هذا التبرير المتهافت الذي تلجأ إليه الحكومات العاجزة عادة، حيث إن تغييب مجلس الأمة في أواخر السبعينيات ترتب عليه، ضمن أمور أخرى سلبية، "أزمة المناخ" التي حمّلت ميزانية الدولة مليارات الدنانير لمصلحة عدد قليل من أصحاب رؤوس الأموال الذين كانوا "يلعبون" بأموال المساهمين من دون أي معايير أو ضوابط أو رقابة، وعندما تكبدوا الخسائر الفادحة طالبوا الدولة بتعويضهم فكان لهم ما أرادوا! أَضف إلى ذلك أن تغييب مجلس الأمة مرة أخرى أواخر الثمانينيات كان من ضمن نتائجه الاحتلال العراقي، وما ترتب عليه من تداعيات وخسائر بشرية ومادية لا تعوّض.

ولكي لا نذهب بعيداً، فإن مجلس الأمة الذي تشتكي منه الحكومات عادة غائب منذ يونيو الماضي، أي أنه لا وجود فعلياً للرقابة الشعبية التي يمثلها مجلس الأمة لمدة تسعة أشهر حتى الآن، فمجلس الصوت الواحد في جيب الحكومة و"لا يهش ولا ينش" كما وصفه أحد أعضائه، فماذا أنجزت الحكومة على المستوى الشعبي غير إطلاق الوعود غير الواقعية التي تذهب عادة مع الريح؟!

والشيء اللافت هنا هو بعض الوعود الحكومية التي نسمعها بكثرة هذه الأيام، والتي قد يترتب عليها هدر واستنزاف للمال العام سواء بشكل مباشر من خلال المحافظ المليارية كالمحفظة العقارية أو إصدار قوانين جديدة مثل "قانون الإعسار" لتعويض الشركات الخاصة المفلسة من ناحية، أو بشكل غير مباشر عن طريق تعديل بعض القوانين القائمة التي صدرت عن مجالس أمة سابقة مثل قانوني "بي أو تي" والمناقصات من ناحية أخرى، وهو الأمر الذي قد يترتب عليه استخدام الفوائض المالية (يقدر بنك الكويت الوطني الفائض في ميزانية هذا العام حتى الآن بحوالي 16.1 مليار دينار)، في غير أغراضها الطبيعية خصوصا أن هناك قلة متنفذة لها موقف سيئ من وجود الرقابة الشعبية ممثلة بمجلس الأمة كمؤسسة دستورية، وقد تضررت شركاتها الخاصة من الأزمة المالية العالمية بسبب سوء إدارتها لكنها لا تريد أن تتحمل المسؤولية عن ذلك، بل إنها تضغط على الحكومة بكل ما أوتيت من قوة ونفوذ كي تستخدم المال العام لمصلحتها كما حصل في منتصف السبعينيات وبعد أزمة "سوق المناخ" أو ما سُمّي "المديونيات الصعبة"، فهل يتحقق لها ذلك؟!