في ما عدا سوار الذهب، أول عسكري يتنازل عن السلطة طوعاً في السودان، فإن أمير قطر هو "سوار الألماس" الذي يسجل سابقةً في تنحي حاكم مدني مطلق الصلاحيات.
ومثلما فاجأت قطر العالم في عهد حمد بن خليفة بأداء أدوار تليق بالكبار، وحفر اسم تلك الإمارة الصغيرة في سجل الإنجازات الكبيرة في السياسة الإقليمية وفي التنمية الداخلية، كذلك يتنحى حمد كما لم يتنحَّ قبله حاكمٌ عربيٌّ في نظام ملكي، وفي سابقةٍ لا يمكن أن يُقدِم عليها إلا الواثقون بأوطانهم وشعوبهم وأنفسهم. وكأنه بذلك يؤسس لتداول سلطة غير مسبوق تحل فيه الإرادة والتواضع محل الصراع ما ظهر منه وما بطن، ونرى فيه ملكيات جمهورية متصالحة مع شعوبها خلافاً لما شهدناه من جمهوريات ملكية قمعية وجشعة.إنه "التوريث الديمقراطي"، المصطلح السياسي الجديد الذي أدخله الأمير حمد بن خليفة في القاموس السياسي العربي، وكأننا نرى ولادة شكل جديد من الحكم يقطع نهائياً تقاليد انتزاع السلطة من أجل التغيير، أو إزاحة الحاكم بالتواطؤ لتبديل الوجوه. إنه انقلاب على كل مفهوم انقلابي وتأسيس لتقليد محرج بقدر ما هو إصلاحي.يخرج حمد بن خليفة بتنحيه الإرادي أميراً فريداً من نوعه. تخلى عن السلطة بإرادته الكاملة ليعطي مثالاً رائداً ونادراً وعلى أعلى المستويات للدعوة إلى مشاركة الشباب، وتشجيع الدماء الجديدة، وليضع حداً لانفصام القول عن العمل وابتعاد النظرية عن التطبيق، وليعبِّر عن إيمان عميق بالشباب، وتفاؤل كبير بمستقبل قطر والقطريين في عهد الأمير تميم.نحن لا ننكر أبداً أن لكل دولة ظروفها وأوضاعها وأسلوبها. ونحن نعرف أن من الخطأ القول إن نموذجاً معيناً - أياً كان هذا النموذج - يصلح لكل الدول والأنظمة.كل ما نقول هنا إن القاعدة الأساس والصالحة لكل حكم ودولة هي أن "التغيير أهم شروط الاستقرار". والأمير الوالد حمد بن خليفة أوجد لوطنه طريقاً راقياً لتغيير يحمي الاستقرار. وهو طريق يدعو إلى التأمل بقدر ما يبعث على الأمل.
مقالات
كلمة•: التغيير الذي يحمي الاستقرار
26-06-2013