في ظل النزاعات العربية- العربية يجد السياسي العربي نفسه في مأزق كبير وهو يضع مصالحه الذاتية أساسا لموقفه من هذه النزاعات. ولاختلاف هذه السياسات وتباينها يصل الجميع الى حالة العجز في ايجاد حل لهذه النزاعات، حتى يصل الأمر الى تشجيع التدخل الأجنبي كحل أوحد لحل هذه الأزمات. ففي الأزمة الأم والأكبر في تاريخنا الحديث عام 1990 بعد اجتياح العراق بجيشه الضخم وقدراته العسكرية الكبيرة واحتلال جارته الصغيرة، توقف العقل السياسي العربي وانقسم الانقسام الأكبر الذي وصل الى ما يقارب الى النصف مع الحق الكويتي والنصف الآخر أو أقل قليلا مع المحتل. كان الاعتماد على القوة في اخراج القوات، وهو الطريق الوحيد لاعادة الأمور الى ما كانت عليه قبل 2/ 8/ 1990 بعد يأس الجميع من حل سياسي للأزمة، يعني دخول العرب في معركة ثنائية ستؤدي الى قتال ليس له أن يقف. ولم يكن أمام الجميع الا اللجوء للقوة الدولية أو الأميركية لإنهاء الأزمة وضمان الخروج بأقل الخسائر الممكنة.

Ad

صاحب ذلك لمن لا يذكر صراعات ثقافية وفكرية وخروج ثنائيات متناقضة وكتب بيضاء ومحاولة للعودة الى بناء ثقة بين المثقف والقارئ. ولكن الأمر نفسه تكرر فيما بعد حين أصبحت النزاعات بين أبناء الوطن الواحد. ففي الثورة الليبية ضد العقيد وجنونه كان السياسي العربي يقف عاجزا عن التدخل في انهاء الصراع وفضل الانتظار حتى ينجلي غبار الموت عن الأحياء الذين سيمسكون بزمام الأمور لاعادتهم الى الصف العربي. وايضا وقف المثقف العربي ذات المواقف المنقسمة بين حق الثوار في ثورتهم وحق العقيد في البقاء حتى يموت موتا طبيعيا كما يليق بدكتاتور. وكان تدخل القوة الأجنبية مريحا وانتهى بأقل الخسائر الممكنة وأعفى السياسي العربي من مهمة شاقة في التدخل لانهاء الصراع. وعاد المثقف الذي ناصر القذافي الى الحديث عن شؤون أخرى ولم يذكره حتى بقصيدة رثاء سمجة.

اليوم يتكرر المشهد في سورية، وهو مشهد استمر لأكثر من عامين يتقاتل فيه الشعب السوري بين مؤيد لبقاء الأسد ومعارض لهذا البقاء. ومرة أخرى يجد السياسي العربي نفسه في مأزق ليس جديدا عليه ويعرفه جيدا، مشهد تكرر أكثر من مرة لكنه يقف حائرا في ايجاد موقف يحفظ دماء الأشقاء السوريين ويقلل من كم الدمار الذي يصيب بلدا شقيقا يقتسم معه عضوية الجامعة العربية. والحل الوحيد الذي يراه الجميع الآن هو أن يتدخل الأجنبي لإنهاء هذا النزاع واراحة الضمير السياسي العربي المطالب بحل لا يقوى عليه. وينقسم أيضا المثقفون العرب الى قسمين متنافرين يقتتلان بالكلام الى أن يهدأ غبار المعركة ونعرف لمن الغلبة ليندمج الفريق الخاسر بأعجوبة عربية الى صفوف المنتصر.

في ظل وضع كهذا سنبقى أسيري الحل القادم من بعيد لجميع نزاعاتنا، نعاني عجز اتخاذ القرار ونفقد هيبة وجودنا ونؤكد ضعفنا وانعدام شخصيتنا الأممية. لو أن السياسي العربي تعلم درس 1990 وخطر التفرد بالقرار وتصالح مع شعبه وأشركهم أمرهم الذي يديره نيابة عنهم لما صفقنا فرحا للحل الأجنبي. اذا لم نتعلم من الدرس الليبي واليمني والتونسي والمصري فمتى نتعلم؟ نحن الأكثر نجاحا في الفشل. نحن الأمة الوحيدة في هذا الزمن التي تعالج جميع مشاكلها الداخلية بالمطرقة وبالمطرقة فقط تُحلّ مشاكلها من الخارج.