تداعيات خطاب بن جامع!
لست منشغلاً كثيراً بالشريط المصور للمواطن فلاح بن جامع، الذي يتداول بشكل كبير في دولة الكويت المدنية الدستورية، والذي احتوى على كل المتناقضات، بين طرح الوطن ومصلحته، وبين تقسيم الوطن كغنائم وظيفية وامتيازات مالية، وبين الوحدة الوطنية، وقد نعت أهل بلده وأحياءهم السكنية التاريخية بأوصاف سوقية، وهي الأحياء التي نشأ منها وطنه، وهي مناطق الفخر والعز، ورجالها يعرفهم أهل الخليج وسواحل إفريقيا وآسيا، ويعرفون سمو معدنهم وطيب أفعالهم، ولا أظن أن المواطن بن جامع مؤهل للحديث عنهم وعن تاريخهم، كما أن أبناء القبائل من أهل الكويت، ومنهم الإخوة العوازم، من شيمهم الموت دفاعاً عن ضيفهم أو المستنجد بهم وعرضه، فما بالكم بالجار والشريك في الوطن؟! إضافة إلى التزامهم بعدم الخوض في أعراض الناس، وهي سمات الفرسان، لذلك أسأل المواطن فلاح بن جامع: "موعيب تخوض بأعراض الكويتيين وتسمِّيهم بما ليس فيهم؟".أقول إنني لست مشغولاً كثيراً بذلك الشريط ووقائعه لأنها حالة متكررة في واقعنا الحالي المرير، ولكنني مهتم ومشغول بالأسباب التي أدت إلى أن يقف شخص ذو صفة اجتماعية ليسبَّ بقية مكونات وطنه ويصفق له العشرات من ذوي صلة الدم معه، فرحين بالطعن في أعراض وولاء شركائهم في الوطن، فمن الذي شحن تلك النفوس وجمعها على الباطل بهذا الشكل؟ ومن الذي اتخذ خيار "قبلنة" الديرة وإحياء النعرات العرقية فيها، وتحويل الطائفة والقبيلة إلى مؤسسة سياسية وهوية مرور إلى مناصب الدولة وخيرات فوائض نفطها وتقسيم البلد إلى "كنتونات" عبر فتح باب النقل الإسكاني بعد أن كانت الدسمة والدعية خليطاً من أهل شرق والعوازم والحساوية، والشعب يسكنها المطيري والنجدي والكندري دون أن يعرف معظمهم الاسم الكامل لجاره؟ وكانت بقية مناطق الكويت على نفس الشاكلة حتى ما قبل نهاية عقد السبعينيات من القرن الماضي.
"القبلنة" هي خيار العهد الماضي الذي رحلت رموزه المؤثرة وصاحبة القرار فيه، و"لا يجوز عليها سوى الرحمة" وتذكر محاسنها وأفعالها الجليلة للوطن، ولكننا اليوم أمام استحقاق لا يقبل التراخي والتأجيل بمعالجة نتائج تلك الخيارات الكارثية لأننا نعيش معضلة وطنية خطيرة، وحالة تمرد على الدولة لا يمكن الاستمرار في نكرانها، من فئات ومناطق محددة لها صور معروفة من الاستهزاء بالقوانين وتحديها والهجوم على رموز سيادة الدولة من مخافر ورجال تطبيق القانون والمحاكم وغيرها، بل إن القضاء بدأ استنزافه بأعداد كبيرة من المخالفين لقوانين البلد وكسر كل عنوان لهيبة الدولة وسط خوف كبير من تداعيات أمنية مدمرة في بلد يضم جاليات أجنبية كبيرة قد تستغل أي حالة فوضى لأعمال لا يمكن معرفة مدى خطورتها.شريط تسجيل ما قاله المواطن بن جامع في مناسبته الملتبسة بين البعدين السياسي والاجتماعي العرقي هو أحد أوجه الخطر الذي سينجم عن عمليات التحريض والتأليب على الدولة والمجتمع من القيادات المزدوجة بين السياسة والقبيلة أو الطائفة، رغم قناعاتي بأن خطابه المتضمن للكراهية ضد الآخر لن يغير "العوازم"، فهم قصة وجود معجونة بتراب "فرجان" شرق ورمال "يال" الدمنة والشعيبة و"سكيك" سلوى، ومن صفق على سب أهله أهل الكويت كان في حالة نشوة تخلقها دائماً مناسبات التجمع ذات النزعات الغريزية البدائية المرتبطة بالبعد العرقي أو الطائفي التي شهدنا نتائجها في يوغسلافيا ورواندا والصومال، ولذلك فإننا نسأل السلطة التي ورثت نتائج خيارات العهد الماضي: ماذا لديكم لمواجهة الخطر المحدق الذي نواجهه اليوم؟ رغم إدراكنا لعدم مسؤوليتكم السياسية عنه، ولكن لديكم مسؤولية أخلاقية وتاريخية أمام أهل الكويت لحماية وطنهم قبل أن يتشرذم ويضيع.