واهم من يتصور في دولنا الخليجية أن هناك إمكانية للانخراط الكامل في المنظومة الدولية، بكل تفاصيلها، ومعطياتها، ومتغيراتها المتسارعة نحو قيم الدولة، والانفتاح السياسي، وحقوق الإنسان، وفي ذات الوقت نتوقع المحافظة على هيكل نظام سياسي واجتماعي مطلق، شديد الصرامة.

Ad

ولئن كان التناقض الداخلي في كل بلد على حدة، آخذاً في التبلور على نار هادئة، يظهر حيناً ويخبو حيناً آخر، ويجري التعامل معه بقسوة أحياناً أخرى، فإنه لم يعد ممكناً تجاوز المتغيرات الدولية الضاغطة دون تنازلات أساسية إن لم يتم التعامل معها بجدية، من قبل الأنظمة الحاكمة، فإنها ستترجم على أرض الواقع بصورة مشوهة، تزيد من حالة الضعف والوهن السياسي المتأصلة في تلك المجتمعات. وينطبق ذات الأمر على عدد من الدول العربية وغيرها. كان ذلك ربما جزءاً من تفسير السقوط المفاجئ والسريع للنظام التونسي "لصاحبه بن علي"، الذي كان يعد من أعتى الأنظمة الأمنية عربياً، وكان نموذجاً يحتذى به في "المواءمة" بين الأسلوب القمعي والانخراط الدولي. بل كان بن علي يظن أنه قد اكتشف "الخلطة السرية" للبقاء الأبدي، وتمكن باقتدار من أن يلعب مع الكبار في العالم، الذين طالما أثنوا عليه واعتبروه نموذجاً يحتذى في التنمية والحكم الرشيد، وفي ذات الوقت يمارس قمعاً ومركزية شديدة، لا تتوافق مع توجهات الانفتاح السياسي الدولي لما بعد حقبة الحرب الباردة. وهكذا اتضح أن خلطة بن علي السرية لم تكن إلا ضرباً بالودع، ولم تكن إلا شراء لبعض الوقت نتج عنها أنه كان من أسرع الدكتاتوريين سقوطاً في العالم.

بالطبع فإن دول الخليج مختلفة، بل هي متباينة إلى حد كبير بين كل منها على حدة، ولكنها تكاد تكون متفقة على انخراطها شبه الكامل في المنظومة الدولية في مجالات متعددة، وبالتالي فإن الانخراط الدولي في هذه الحقبة المتغيرة، إن لم يتم التناغم معه بجدية، وإحداث تغيرات هيكلية في نمط الحكم، والتخلي عن أسلوب التذاكي، ومنطق توظيف شركات العلاقات العامة، فإننا تدريجياً سنزيد من تعقيدات حالة انفصام الشخصية السياسية التي تسيطر على المشهد العام والخاص على حد سواء.