مكابرة ضد الزمن
![حسن العيسى](https://www.aljarida.com/uploads/authors/25_1682522445.jpg)
ويمضي "ووكر" في عرض الأعمال الأدبية والفنية الكبرى في التاريخ، وكيف كان أبطالها يولدون من جديد في منتصف أعمارهم "بتجديد" يقرع أجراس مرحلة الشيخوخة والأفول... هنا يذكرنا الباحث بعبارة يونج الشهيرة بأننا لا نستطيع أن نحيا فترة ما بعد الظهيرة بعقل فترة الصباح. في مسرح سوفوكليس، نرى أوديب الشاب المغامر الذي قتل الوحش سفينكس عند أبواب طيبة، يدخل منتصراً ليقتل الملك ويتزوج امرأته وينجب منها، ليعرف في ما بعد أنه قتل أباه وأنه تزوج أمه وخلف منها دون أن يدري… فيفقأ عينيه ويهيم كالمجنون في المدينة، أوديب الشاب وصل إلى مرحلة منتصف العمر فيداهمه الأسى والحزن على صنيعة قدره البائس وينهش من روحه ذلك الضمير البائس (حكمة الشيخوخة) وتلك مرحلة عمر تعدت فورة الشباب كي تدق أجراس النهاية.الأمر لا يختلف، في "أوديسة" هوميروس وحكايات بطلها "أوديسوس"... فهناك غيوم منتصف العمر حين تغطي ألوانها الداكنة شمس الشباب ويلج اليأس الحكيم في عقل الإنسان.أما العالم النفسي الذي قسم الحياة وأطوارها المختلفة إريك اريكسون (عالم نفس من غير شهادة طبية) فهو يرى أنه ليس بالضرورة أن تتوهج الروح لفترات في مرحلة منتصف العمر وبداية الشيخوخة، فهناك من البشر من يرفض التأقلم مع واقع الحال، ويرفض مكابرة سنة التغيير والتبديل، عند هؤلاء تنطوي الروح على ذاتها، ويصيب التحجر والجمود أصحابها، وكأنني أقرأ هنا رواية أوسكار وايلد "صورة دوريان غري" فالصورة تشيخ وتهرم، أما صاحبها دوريان فيظل على شبابه وجماله، حتى اللحظات الأخيرة من عمره يدرك الحقيقة المقلوبة، فروحه هي التي كانت تشيخ وتذوي، بينما الصورة كجماد هي على حالها كانعكاس لجمال الشباب في زمن مضى.هل كان دوريان وحيدا في ذلك القرن (التاسع عشر) أم مازالت نماذجه تحكم عالمنا العربي وتضج شوارعنا ومؤسساتنا بصور دوريان غري العربي الذي يرفض التغيير والتبديل وسنن الكون؟... لنفكر قليلاً.