أهمية الإشباع الوظيفي للسلم الاجتماعي
الموظف لا يجد ما يعمله ليس لأنه كسول، بل لأن الوظيفة ليس فيها ما يشبع حاجته إلى عمل شيء جاد يفخر به ويحس بالرضا لإنجازه. فكثير من العاملين في الحكومة يريدون عملاً يرضون عن نتائجه لكن ذلك غير متوافر لسوء التخطيط وغياب قياس فعال للأداء.
لو أردنا أن نجد الأسباب الرئيسية للعصبية والسمنة وارتفاع معدلات السكر والضغط وكثرة المشاجرات وازدحام الشوارع، وغيرها من العلل النفسية التي أصبحت تلازمنا، لوجدنا أن الفراغ وعدم وجود عمل جاد ومنتج يأتي في مقدمتها.غالبية الكويتيين ليس لهم ما يشغل أوقاتهم، سواء كان عملا جادا ونافعا أو هواية منتظمة مفيدة، ليس لدينا جدية في أي شيء، أنا أتحدث عن غالبية وليس الكل، لأن بيننا أناسا لايزالون قادرين على تحويل وظائفهم أو أعمالهم أو أوقات فراغهم إلى شيء مذهل ونافع، لكن أغلبيتنا للأسف تسعى بدون هدف واضح ولا مهمات منتجة، ولا تجد ما تعمله في أوقات فراغها إلا الاكل والتصادم في الشارع وفي المولات و"النرفزة" وضيق الصدر من أي شيء.
إن الوظيفة الحكومية -وقد بدأ تأثيرها ينتقل للوظيفة الخاصة- قد ترهلت وتجزأت، وصار الموظف الكويتي لا يعمل إلا قدراً ضئيلاً من وقت عمله الرسمي. حتى أصبحت الوظيفة مشكلة نفسية في حد ذاتها. فالموظف لا يجد ما يعمله ليس لأنه كسول أو لا يريد أن يعمل، بل لأن الوظيفة ليس فيها ما يشبع حاجته إلى عمل شيء جاد يفخر به ويحس بالرضا لإنجازه. فكثير من العاملين في الحكومة يريدون أداء عمل يرضون عن نتائجه، ويحسون بفائدته للجهة وللجمهور طالب الخدمة، لكن هذا الإشباع غير متوافر لسوء التخطيط ومحدودية مهام الوظيفة وغياب قياس فعال للأداء.الغريب انه بينما يشكو الكويتي قلة العمل فإن مهمات كثيرة تتوافر للوافد في بعض الجهات، لا يكفيهم عمل الدوام الرسمي، بل يؤدون أعمالاً إضافية بأجر إضافي بعد الدوام الرسمي. وعلاوة على قلة المهام هناك سوء في توزيعها، وهذا ينعكس على الموظف الكويتي ويحس بغضب على نفسه وعلى الجهة التي يعمل فيها حتى يصل إلى مرحلة اللامبالاة، فلا يجد فرقاً بين بقائه في البيت أو التسكع في الأسواق وبين الذهاب للعمل. هناك طبعاً جهات حكومية تتعامل بكثافة مع الجمهور، بعضها منظم ويرتاح الجمهور في طلب الخدمة منها والحصول عليها، ويمكن أن تكون مثالاً يحتذى مثل وزارة الداخلية والتأمينات الاجتماعية سابقاً، إلا أن العمل في معظم الوزارات الأخرى المزدحمة تخنق الموظف وتسبب له اضطرابات عنيفة، لأن العمل أيضاً رغم ضغطه واختلافه عن وزارات الكسل، فإنه أيضاً لا يحقق إشباعاً وظيفياً لسوء الإجراءات وضعف الصلاحيات وتحمل لعنات المتعاملين الذين يتوهون في أروقة الجهة الحكومية، أو في اكثر من جهة، بسبب تعقيد الإجراءات وعدم وضوح المسؤوليات، فالموظف متعب لكثرة المراجعين والحاحهم وسخطهم، لكنه في النهاية لا يؤدي عملاً يشبع إمكاناته وقدراته وحاجته لإنجاز مهام يفخر بها.من المؤكد أن هناك عوامل كثيرة أخرى، سياسية واقتصادية واجتماعية، لها دور في تشكيل هذا القلق، لكن غياب عمل حقيقي وما ينتج عنه من فراغ عملي وخواء نفسي يضيف بعدا إضافيا ومحركا لقضايا الاقتصاد والسياسة، ومن المقلق أننا نركز على الأسباب الجانبية، ولا نلتفت للأسباب الحقيقية.إن كثرة عدد العاملين في الحكومة يمكن أن يتحول من سمنة وهَمّ إلى عدد فعال ومنتج ويستفاد منه في تحسين الخدمات وتقديمها بيسر وسرعة واتقان، ويحقق للمواطن الموظف الاشباع الذي يريد، وللمتعاملين مع الدولة سرعة الانجاز وكفاءة الخدمة، بل إن الإدارة السليمة للقوى العاملة يمكن أن تشجع الحكومة على التوسع في مشروعاتها، وتستغل إمكاناتها البشرية في تنفيذها في الزمان والمكان اللذين تحددهما.وفروا ونظموا عملاً جاداً تجدون شعباً منتجاً وموحداً.