ثمن الغرور
عندما تم إسقاط حكومة الشيخ ناصر المحمد في "الشارع"، ظن الكثيرون- خصوصاً أصحاب الرصاصات الطائشة- أن ذلك يعد إنجازاً كبيراً في المعركة ضد الفساد وخطوة في طريق الإصلاح، لكن علمتنا التجارب أنه ليس كل ما يلمع ذهباً، خاصة عندما يكون رافعو راية الحق هم أصحاب باطل، وهذا ما جرى تماماً في هذه الحالة، حيث حدث العكس تماماً، وما كانت هذه الخطوة إلا خطوة في طريق الفوضى في البلد.فكانت أولى تبعات إسقاط ناصر المحمد هي إصابة كتلة المناكفة في مجلس 2009 بالغرور بعد إنجازها العظيم في فرض الأمر الواقع، وازداد ذلك الغرور بعد فوزهم بعدد كبير في انتخابات فبراير الماضي، وترجم ذلك عملياً في المجلس المبطل عبر أسلوب التهديد والوعيد والتطرف وابتزاز الوزراء لتمرير "واسطاتهم"، والذي خضع له معظم الوزراء ودفع الوزير مصطفى الشمالي ثمن عدم خضوعه لتلك الضغوط.
كما ترجم الغرور عملياً عبر تعزيز ثقافة الاقتحام والتخريب ضد كل من يمسهم، إضافة إلى مطالبتهم بإغلاق ما يسمونه بالإعلام الفاسد ومعاقبة الآراء التي تهاجمهم. كما مارسوا التطرف في التشريع عبر قانون الإعدام وسياسة إقصاء الرأي الآخر في تشكيل لجان التحقيق بطرق مخالفة للائحة، وتم كل ذلك بموافقة رئيس الوزراء والحكومة الخائفة من تكرار مصير حكومة ناصر المحمد.وبعد حكم المحكمة الدستورية التاريخي بإبطال مجلس فبراير وجهوا سهامهم إلى القضاء واعتبروا حكمه منعدماً واتهموه بالانصياع لأجندة سياسية. وعندما تسربت الأخبار عن نية سمو الأمير تعديل قانون الانتخاب جزئياً بتقليص الأصوات إلى صوت واحد فقط لمنع التحالفات التي لا تعكس الإرادة الشعبية الحقيقية، وجهوا سهامهم إلى المقام السامي- المصون دستوراً وقانوناً- مباشرة عبر خطابات "لن نسمح لك" و"شغلك غلط" و"تخلى عن البطانة الفاسدة"، اعتقاداً منهم بأنهم يستطيعون فرض الأمر الواقع عند كل حدث بالقوة والإرهاب والتهديد والوعيد. فوقعوا بذلك في فخ الغرور وجنون العظمة الذي أصابهم بعد نجاحهم بإسقاط ناصر المحمد بـ"الشارع"، وزاد الجنون والهلوسة بعد أن أخطؤوا في حساباتهم هذه المرة وانقلب السحر على الساحر، فباتوا يولولون ويشتكون زوراً من الظلم والطغيان بعد حكم السجن بحق الصواغ والداهوم والطاحوس مع أن تعديهم على المقام السامي المصون قانوناً ودستوراً واضح وضوح الشمس، ولن تجدي معه كل محاولات التدليس ومحاولة خداع الناس بأننا في دولة قمعية. لسنا فرحين بسجن أي شخص، ولن نشمت أو نفرح بأي حكم ضد الخصوم السياسيين، لكن في الوقت نفسه يجب أن يتحمل كل شخص مسؤولية كلامه، وأن يدفع ثمن الغرور الذي أصابه بدلاً من محاولة تأليب الناس على القانون والقضاء ومحاولة زعزعة الأمن في وقت يدعي فيه الشجاعة ومواجهة عواقب كلامه.***"المنبر الديمقراطي" تعود على إعادة نفس الأخطاء والوقوع في نفس الفخ مراراً وتكراراً بعد إعلانه المشاركة في ندوات استنكار الأحكام القضائية، وذلك بحجة الوقوف مع المبدأ، لكن هل من المبدأ الوقوف في صف واحد مع من يريد أن يتكلم بما يحلو له بدون سقف بينما يريد قمع الآراء المخالفة له؟!