كلمة للمستقبل!
قد يتساءل البعض ويستغرب وجود أسماء قد تكون متناقضة ومتباينة في بعض المواقف والرؤى اشتركت في طرح وثيقة التوافق والإصلاح، ولعل في ذلك رسالة إلى الجميع يجب أن نفهمها ككويتيين قبل فوات الأوان، وهذا ما كنا نردده دائماً لنختلف إلى أبعد الحدود ولكن لابد من وجود قواسم نلتقي حولها مهما كانت هذه الاختلافات.
وثيقة التوافق الوطني والإصلاح السياسي كغيرها من المواقف السياسية الكثيرة والمتنوعة قد يكون لها جمهور من المؤيدين والمتنفذين كذلك، وهذا مقبول في إطار الرأي والرأي الآخر الذي بدأنا نفقده في الثقافة السياسية الراهنة إلى حد كبير.وما سطر في هذه الوثيقة بالتأكيد جملة من الاجتهادات والرؤى يفترض أنها استخلصت من سلسلة من المناقشات الطويلة والحوار مع مجاميع متنوعة المشارب والأطياف ودراسة الواقع السياسي، ومع ذلك لا يدعي الكمال ولا يفرض نفسه رغماً عن إرادة وقناعة الناس.
وما يهمني شخصياً كأحد المشاركين في تبني ما ورد من أفكار وآراء وطرح بعض الحلول في هذه الوثيقة هو تغيير مسار "حوار الطرشان" المستمر بين السلطة وقوى المعارضة على مدار السنوات القليلة الماضية، فلا طرف يمكنه إلغاء الآخر ولا أحد يستطيع الجزم بالانتصار والغلبة، فتحولنا كبلد إلى دائرة مغلقة نلف على أنفسنا حبال الخنق وتعميق الخلاف المصاحب للكراهية والإقصاء.ولا يعني ذلك أن المبادرة عبارة عن مشروع تنازلات سياسية لطرف أو آخر أو محاباة لجهة، حسب قناعاتي، بقدر ما هي إصرار على مبادئ عامة قد "تزعل" الطرفين معاً. من ناحية أخرى قد يتساءل ويستغرب البعض وجود أسماء قد تكون متناقضة ومتباينة في بعض المواقف والرؤى أو حتى في العديد منها اشتركت في طرح هكذا مشروع، ولعل في ذلك رسالة إلى الجميع يجب أن نفهمها ككويتيين قبل فوات الأوان، وهذا ما كنا نردده دائماً لنختلف إلى أبعد الحدود ولكن لابد من وجود قواسم نلتقي حولها مهما كانت هذه الاختلافات، وهذا محك واختبار لمصداقية الجميع، فما نمر به من لحظات عصيبة ونتائج واحتمالات مخيفة أكبر من الجميع وضررها أيضاً يشمل الكل دون استثناء.ولعل من ردود الفعل الأولية على الوثيقة، والانتقادات التي وجهت من طرفين يمثلان الحكوميين حتى النخاع من جانب والمعارضين حتى النخاع من جانب آخر، ويبدو أن الصوت الثالث الذي طالما نادينا به بدأ يلوح في الأفق، وميزة هذا الخط الجديد إذا حافظ على تماسكه ومبادئه أن يعيد خارطة توازن القوى، ويرجح أي طرف يميل إلى مبادئه أو حتى يفرض نفسه في حالة تنامي مصداقيته وانتشاره الشعبي.ولعل ما يميز هذا التوجه الجديد أنه يستظل بالغطاء الوطني الذي يحتضن أطياف النسيج الكويتي المختلفة، وهذا بحد ذاته إنجاز نتمنى أن يسود ويقوى بعد حالة الاصطفاف الأعمى والمتعصب التي خلقته بعض قوى المعارضة والسلطة بناء على حسابات ضيقة.وأخيراً من يقرأ تاريخ الكويت بتمعن خصوصاً في ظل الأزمات السياسية يجد أن هذه الوثيقة لا تختلف كثيراً في تشخيصها لحقيقة المشاكل، وتكرر ذات المطالب التي طالما كانت كفيلة بتغيير واقعنا المريض، ولكن ما كان يحول دائماً دون تحقيقها هو نجاح الحكومة في اللعب على التناقضات وبناء تحالفات وقتية لمجاميع معينة "ترفسها" بعد أن تمتصها من جانب، وأخطاء المعارضة في خلق جبهة وطنية شاملة حول مشروعاتها وتفننها في إبعاد الناس من حولها لأسباب تافهة أحياناً.فهل نصنع من التاريخ مستقبلاً؟ وهل نتعظ من الأخطاء؟ وهل تولد عندنا جميعاً مسؤولية بناء بلد للجميع ومن الجميع؟ هذا هو التحدي الأهم وهذا هو السؤال الذي يعد في رأيي أهم من حكم المحكمة الدستورية المرتقب خلال الساعات القادمة!