التدويل اليوم غيره قبل 23 عاماً، وغيره قبل 60 عاماً، وغيره قبل قرن من الزمان، لكل زمان دولة ورجال، ونساء أيضاً، كما أن لكل زمان تدويله.

Ad

فتدويل القضايا الإنسانية الداخلية اليوم صار من المسلمات، بل جزء أساسي ضمن المكونات المقبولة في المنظومة الدولية لحقوق الإنسان، ولم يبق في هذا الزمن إلا دول قليلة خارج نطاق تحولات التاريخ، تدفع بأن "التدويل" هو تدخل في الشؤون الداخلية.

فبعد انتهاء الحرب الباردة، وخروج الدب السوفياتي من حلبة نظام القطبية الثنائية، وانفراد الولايات المتحدة بمنصب القوة العظمى الوحيدة، تصور المتفائلون أن نظاماً دولياً جديداً قد تشكل، وكان من ضمن العناوين المعلنة لذلك النظام، تزامن "الحق مع القوة"، كما حدث في عملية تحرير الكويت، حين تم إعلاء القيم العامة للأمم المتحدة، بوجه دولة عضو ابتلعت دولة عضواً أخرى.

وأخذاً في الاعتبار أن المحرك لتلك العملية الدولية الكبرى هو مصالح المشاركين فيها، إلا أننا كنا نشاهد تحولات توحي أن نظاماً إنسانياً دولياً آخذاً في التشكل.

وربما جاء تزامن سقوط نظام "أبارثايد" العنصري في جنوب إفريقيا، ودور الضغوط الدولية بذلك، ليضيف زخماً هائلاً للفكرة، تلا ذلك ظهور مفهوم "التدخل الإنساني"، الذي عكس نفسه في التدخل بالصومال بعملية "إعادة الأمل"، إلا أن ذلك النظام لم يصمد طويلاً، بل لم يكن يحرز نتائج مشرقة، في مواقع عديدة، وربما كان تدهور الحالة الفلسطينية كافياً لتتفلش فيه تلك الفكرة.

ويبدو أن غياب "العدو" السوفياتي الضروري لحالة التوازن الدولي قد خلق "فراغاً عاطفياً" لدى الولايات المتحدة، فبدلاً من تكوين نظام دولي أكثر عدالة وأكثر إنسانية، شهدنا حالة من الفوضى الدولية، وسرعان ما ظهر ذلك العدو، وتمت تسميته "الإرهاب الدولي"، لتصبح "حرباً كونية على الإرهاب"، وهي حرب مستمرة للأبد، وفي أي مكان ودون توقف. ما يعني أنها لم تكن حرباً بقدر كونها "حالة ذهنية" تفرض نظاماً دولياً يتم فيه تجاوز الإنجازات الحقوقية النسبية التي تحققت خلال قرابة العقد من الزمان حتى ١١ سبتمبر ٢٠٠١، بل قد يؤدي إلى نتائج مدمرة.

كما أنه قد اتضح أن القوة الأميركية الدافعة لن تستطيع الصمود أو إعادة عقارب الساعة للوراء، بل ستضطر إلى التقهقر والتراجع، كمعركة المحكمة الجنائية الدولية، كما سنرى.