تأجيل الضربة العسكرية الأميركية للنظام السوري أو ربما إلغاؤها من جراء القرار السوري بتسليم وإتلاف "الكيماوي" السوري، الذي تحول إلى خطة عمل روسية- أميركية نُقلت من خلالها القضية من بند جريمة حرب وإبادة إلى جنحة حيازة أسلحة محرمة دولياً ولا تستدعي ضربة ولا تدخلاً دولياً في حال الاقرار والتسليم.
وبهذا قد أسدل الستار على الضربة رغم التلويح باستخدامها في حال المراوغة... مما يؤكد أن هذا النظام استطاع بمساندة قوية من حلفائه الإفلات من العقاب لحساب المصالح الدولية غير المعنية بمآسي وتطلعات الشعوب نحو حياة أفضل.مؤشر الضعف الذي أظهرته الإدارة الأميركية تجاه جرائم النظام السوري وترددها عن لجمه، وعجزها أيضاً عن إيجاد تحالف دولي قوي ومؤثر ضده رغم سيل التصريحات وكم التهديدات الساخنة منها والباردة ضده... لكنها بلا فائدة لإدراك النظام السوري- وهو قارئ جيد للسياسة الدولية- أن المجتمع الدولي غير قلق من أفعاله الجرمية ضد الشعب السوري، لأنه استطاع أن يشوش ذهنيته تجاه مدنية الثورة ومشروعية مطالبها في الحرية والكرامة الإنسانية من خلال جرها إلى العسكرة وتطعيمها ببعض التنظيمات "القاعدية" التي صنعها يوماً لدرء الخطر الأميركي عنه إبان احتلال العراق.وهذه القراءة دفعته إلى تجاوز كل الخطوط الحمر التي رسمها "أوباما" له، مما أحرج الإدارة الأميركية وفرض عليها خياراً حاولت تجنّبه بشتى التبريرات طوال عامين من عمر الثورة، لكن مكانتها الدولية لا تقبل أنصاف الحلول في هكذا حالات، لئلا تفسح المجال للآخرين في الحيازة والتمادي والانفلات وتهديد المصالح.أما الحدث الأبرز من جراء هذا الضعف فتجلى بانتقال "الدب الروسي" من مقاعد الاحتياط إلى لاعب مهم في الساحة الدولية، وهذه الفرصة جعلته منخرطاً كلياً في المشهد السوري لدرجة المفوض السامي السوري مع مساندة إيرانية بلا حدود، وكأن سورية أرض مشاع مع إدراكه المرهف أن قوته نابعة من ضعف الآخر، ولكن في حالة التدخل العسكري سيفقد أهم أوراقه وسيخرج من "المولد بلا حمص".لذلك جاءت مبادرته "الكيماوية"، التي لا يمكن رفضها أميركياً ولا دولياً أمام العزوف العام عن الضربة العسكرية قيمة مضافة له، لأنه أيضاً ألقى بطوق النجاة لأوباما، وانتشله من دائرة الإحراج وفشل التصويت داخلياً... رغم أن التوقعات تشير إلى الاتفاق المسبق على الخطة، وهي متكاملة حول الوضع السوري، وما مدة الأشهر التسعة التي مُنحت للنظام من أجل التفتيش على الأسلحة الكيماوية إلا تأكيد لانتهاء ولاية الأسد وخروجه المشرف من المشهد السوري وبدء الحل التوافقي، والذي سيتوج بـ"جنيف-2".الناشط الحقوقي المعارض هيثم المالح صرح لصحيفة "الراي" الكويتية بأن بعض أعضاء الكونغرس الأميركي أبلغوه خلال لقائه معهم "أن الرئيس الأميركي أوباما سيرحّل الملف السوري للرئاسة المقبلة بسبب تعقيداته"، وحسب رأيه انه ليس هناك "جنيف- 2" ولا "جنيف- 3"، وسيستمر المشهد ساخناً دون حل. طبعاً هذا الكلام غير مفاجئ بل منسجم تماماً مع نهج الرئيس أوباما تجاه الثورة السورية، الذي أدى أيضاً إلى تنامي الحركات المتشددة في سورية والوافدة من كل أصقاع الأرض... وكلما تراخى الحسم وتأخر الحل ازداد الوضع تعقيداً.ظننا أن ظهور نتيجة التحقيق الأممي حول جريمة الغوطة الكيماوية ستقلب المعادلة، وستعطي الطرف المساند للثورة السورية ثقلاً في فرض قرارات أممية تتناسب مع حجم الجريمة، وستحرج روسيا، وستضطر إلى عدم عرقلة أي قرار دولي يدين هذا النظام الإجرامي بالحد الأدنى، لكن "الريح الكيماوية" التي أبادت الشعب السوري لم تحرك ساكناً دولياً سوى عدم الاتفاق على شيء داخل مجلس الأمن... وبات على ثوار الداخل الاستعداد النفسي لحرب طويلة الأجل التي ستكون على اتجاهين، الأول لمجموعات التكفير التي باتت ذراعاً للنظام بامتياز من خلال ما حدث "بمدينة اعزاز" أخيراً، حيث باتت معركتهم مع الجيش الحر بمساندة نيران النظام الجوية والأرضية لهم... والثاني ضد شبيحة النظام... وقدر هذه الثورة أن تمضي وحيدة حتى تتغير القناعات ببراءتها من التشدد وعدالة مطالبها في الحرية والحياة.
مقالات
الضعف الأميركي... وإخفاق الضربة
21-09-2013