بينما تفور الكويت بالتشاحنات السياسية المعقدة، حذر اقتصاديون من المستقبل الذي تسير تجاهه الكويت، مؤكدين أن بوادر أزمة مالية تطل برأسها راهنا، وستدفع الكويت ثمنها خلال عام 2029، مشيرين الى أن الكويت ستعلن إفلاسها في العام نفسه إذا سارت في الطريق ذاته الذي تسير فيه الآن، من خلال توزيع وتقسيم الثروات بطريق غير مشروع، ما يهدم اساس بناء مشروع الدولة للحفاظ على مشروع الحكم، اللذين سيسقطان تباعا إن لم يتم تدارك الكارثة الاقتصادية، والبدء فورا في الإصلاحات السياسية، خصوصا ان الوقت يُهدر.

Ad

جاء ذلك خلال ندوة «الوضع الاقتصادي في الكويت بين الواقع والطموح»، التي اقيمت في ديوان النائب السابق صالح الملا امس الاول، والتي حاضر فيها عدد من الاقتصاديين، من بينهم جاسم السعدون وفيصل المدلج وعادل البدر ومحمد البغلي، وعقب الملا، ثم فتح باب النقاش مع الحضور للاستماع الى وجهات نظرهم.

بداية، أكد رئيس مركز الشال للدراسات الاقتصادية الخبير الاقتصادي جاسم السعدون ان «الكويت تسير نحو المجهول، وستصطدم بحاجز اسمنتي خلال فترة قصيرة إن لم تتدارك اخطاءها في توزيع الموارد والانتقال من الحكومة الريعية الى الحكومة الاصلاحية الفعلية»، مشيرا الى ان «الكويت ان لم تغير ادارتها بشكل جوهري فليس هناك امل في حياة هذا البلد».

واوضح السعدون ماهية الاقتصاد، قائلا انه عبارة عن «تنبؤ مستقبلي بالاحداث الاقتصادية قبل وقوعها»، مضيفا ان «هذا التنبؤ موجود، لكن الحكومة لا تنظر اليه، وتسير في طريقها نحو نظرية فرق تسد لحماية مشروع الحكم حتى ولو على جثة الدولة».

مؤشرات الخطورة

ولفت الى أن هناك «ثلاثة مؤشرات خطيرة تهدد بسقوط الدولة، وعلى الادارة ان تنتبه لها، الاول يتعلق بمعدل الانفاق العام في السنوات الثلاث الماضية، فهو يزيد بنسبة 13.1 في المئة مقابل 4.7 في المئة في التسعينيات ليكون المتوسط 9 في المئة».

وزاد ان هذا «يؤكد اننا نحتاج انفاق 39 مليار دينار خلال 2020، الامر الذي يحتاج الى تصدير 2.450 مليون برميل يوميا بتكلفة 7 دولارات، وان يكون سعر البرميل 160 دولارا، وهو امر غير قابل للحدوث، بل ان العكس سيحدث ليؤكد اننا سننتحر ماليا».

وتابع: «اما المؤشر الثاني فيتعلق بالعمالة، إذ إن الكويت تنفق عليها نحو 10 مليارات دينار سنويا، واذا سارت في الطريق ذاته فهي بحاجة الى توفير 160 الف وظيفة خلال عام 2020، وفي عام 2030 بحاجة الى توفير 440 الفا، نظرا للنمو السكاني، بينما لم تخلق خلال السبعين سنة الماضية الا 306 آلاف فرصة، اضافة الى البطالة التي اهدرت مال الدولة».

واردف ان «المؤشر الثالث يتعلق بالسكان ونمو السكان غير الكويتيين، الذين بلغت نسبتهم 31 في المئة من جملة السكان، واذا استمر هذا المعدل فسنصل إلى 6.9 ملايين نسمة بحلول عام 2030، ما يعني اننا ذاهبون باتجاه الانتحار»، مستغربا تصريح وزير في الحكومة بأنه «يريد تقليص العمالة الوافدة بنحو 100 الف عامل سنويا، بينما وزير آخر يقول انه ستوجد كويت اخرى داخل الكويت».

واشار الى انه كان من اشد المعارضين للمجالس السابقة، نظرا للقرارات الشعبوية غير المدروسة التي يقدمونها، والتي تهدر المال العام، ولا تضيف للدولة شيئا، بينما تضيع عليهم الحياة الكريمة خلال السنوات المقبلة، لكنه لم ير اسوأ من المجلس الحالي وقراراته السيئة جدا، والتي تهتم اولا واخيرا باستمرار الكرسي في المجلس وليس استمرار الدولة، ومنها صندوق الاسرة.

إدارة فاشلة

وانتقل الحديث إلى رئيس مجلس ادارة الشركة الكويتية عادل البدر الذي أكد أن الإدارة لدينا فاشلة منذ الستينيات، ولابد من نقل الادارة الى القطاع الخاص مع الأخذ في الاعتبار ايجاد قانون قوي يمنع الاحتكار وتكويت العمالة ومساواة الفرص والشفافية والرقابة النزيهة.

واشار في معرض حديثه الى ان ميزانية الدولة خلال السنوات العشر الماضية تؤكد اننا باتجاه المجهول، وان لم نجد الحل اليوم بوجود الوفرة المالية الحالية في الميزانية العامة بواقع 10 إلى 12 مليار دينار سنويا منذ 10 سنوات، فسنقع بكارثة اقتصادية سنلجأ بعدها الى الاقتراض من الدول الاخرى بعدما كنا نقرضها».

الخصخصة والحل

وبين أن ذلك الامر يأتي نتيجة لهذا الفائض الذي استغل استغلالا سيئا باستحلاب الدولة واتجاه المجالس والحكومة لزيادة الرواتب دون ان يكون هناك مقابل اما هذه المطالبات، مؤكدا ان اقتصاد البلد لن يقوم من حفرته إلا بالخصخصة.

واستعرض البدر مشروع الخصخصة وكيفية انقاذه البلاد من الهدر المالي والكارثة الاقتصادية الحقيقية قبل وقوعها، ذاكراً على سبيل المثال لا الحصر وزارة الكهرباء والماء وتكلفتها على الدولة من دون ناتج حقيقي يعود للدولة، بل أصبح عبئاً كبيرا على الدولة، لافتا الى ان تكلفة الكهرباء تزيد سنويا لأن النفط المستخدم في محطات توليد الكهرباء يزداد سنويا بنحو 450 مليون دينار دون بناء محطات جديدة لسوء نوعية الوقود المستخدمة، ويتبين من ميزانية وزارة الكهرباء، ان اجمالي ايرادتها المتوقعة لعام 2012 - 2013 لا تتعدى 220 مليون دينار ان حصلت جميعها بينما رواتب موظفي الوزارة فقط 230 مليون دينار.

اصطدام سريع

اما المتحدث الثالث، فكان نائب رئيس مجلس ادارة شركة مرابحات فيصل المدلج الذي أكد أن الكويت تسير في الطريق السريع للاصطدام بالحاجز الاسمنتي المتين، نظرا الى المعطيات الموجودة والحقائق في الاقتصاد الكويتي اليوم.

وذكر المدلج أمرين يثيران القلق، الأول معدل المرتبات في الباب الاول من الميزانية العامة بالمقارنة بين عامي 2002 و2012 والذي قفز من 1.5 مليار دينار الى 5.1 مليارات، وقفز اجمالي مصروفات الدولة من 1.7 مليار الى اكثر من 21 مليارا، والامر الذي يثير قلقا اكبر يتعلق برد فعل الادارة والساسة والقدرة على تحقيق المسار، مشيرا الى انه في جميع الدول المتقدمة الاقتصاد يأخذ 80 في المئة من مشروع الدولة والسياسة تلحقه، بينما يختلف الامر تماما في الكويت، اذ يكون نصيب الاسد فيها للسياسة والاقتصاد تابع غير مهم بالنسبة لها.

تصحيح مسار متعطل

ولفت الى ان الكويت برغم كثرة ما لديها من لجان بدءا من لجنة تصحيح المسار التي جددت 4 مرات من بعد الغزو الى الآن، انتهاء الى اللجنة الاستشارية العليا، الا ان هناك عدة دراسات تنظر الى الكويت، بموجب أسعار البترول، انها ستفلس على افضل تقدير بحلول عام 2029، وفي ابعد سيناريو يعتبر عام 2025 هو عام الافلاس لكن المؤشرات تشير الى تغير في اسعار البترول هبوطا متأثرة بتغيرات مختلفة وربما لن يأتي عام 2020 إلا ونحن دولة مفلسة لاعتمادنا على مصدر وحيد متمثل بالنفط وقضاء وقتنا في مهاترات سياسية تبين سوء اسلوب ادارة شركة وليس سوء ادارة بلد.

الحلول المقترحة

وشدد على ان قرارات الإصلاحات السياسية شعبوية لذا فلا ننتظر من المجالس النيابية أية اصلاحات، والخوف القادم هو من خروج الشعب للمطالبة بالاصلاحات الاقتصادية لضمان استمرار الدولة، مشيرا الى ان المجلس الحالي «لا يعول عليه بالمرة، خصوصا أن اعضاءه يرون انه مجلس تائه ولا يعلم الطريق الذي يسير فيه، فكيف به يدير دولة؟!».

وأكد أن الأزمة تتعلق بالادارة التي تحتاج الى رؤية وخطة وادوات لتنفيذها وجدية في متابعة كل قيادي ولو كان ثمن ذلك استمراره من عدمه في الكرسي، وان نرى مجلس الوزراء قيادة شابة قدوة للناس حتى تعكس جدية العمل لكن بكل اسف على مدى السنوات الماضية كنا نأمل ان يحدث ذلك.

وذكر مثالين عظيمين للنجاح والنهوض بالدولة في الطريق الصحيح، مشيرا الى ماليزيا على يد مهاتير محمد واردوغان في تركيا، وكيف نقلا دولتيهما من تحت خط الفقر الى الاصطفاف ضمن الدول المتقدمة.

وانتقل الحديث الى رئيس القسم الاقتصادي في جريدة «الجريدة» الزميل محمد البغلي، الذي أكد ان المسؤولين في الكويت متميزون في «بيع الوهم» الذي بدأ منذ 10 سنوات بالحلم الكبير بتحويل الكويت الى مركز مالي واقتصادي، لكن مع مرور السنوات العشر «اصبحنا في اسوأ حال اقتصادي مقارنة بدول العالم، والدول المحيطة نظرا للمعطيات الموجودة، ولم ننته عند ذلك الحد، بل استمر المسؤولون في بيع الوهم من خلال خطة التنمية التي ضخت مليارات ضخمة، ومن اهم اسباب فشلها اقرارها من وزير واحد في حين انها تحتاج الى حكومة كاملة للقيام بها».

وقال البغلي: «نرى الكويت في حالة يرثى لها، في حين ان دولا ليس لديها اي موارد كاليابان وسنغافورة، حققت نجاحات باهرة اكثر من الدول المتقدمة، وفي الوقت ذاته تكون الدول ذات الموارد في اخفاقات مستمرة، كدول الخليج التي لا تحقق المستوى العالي من التطور والتنمية».

واضاف ان تلك الدول اهتمت بتنمية الإنسان وصناعته من خلال بيئة عمل مناسبة له، الى جانب منظومة من الافكار والاختراعات التي تجعلها في المقدمة دائما.

وتطرق البغلي إلى عدد من الارقام والمؤشرات للبيوت والمؤسسات الدولية التي تؤكد أن الكويت معرضة للخطر، قائلا ان المشكلة الكبرى تكمن في أن الحكومة نفسها والمسؤولين الاقتصاديين يعلمون بتلك الارقام، لكنهم لا يقدمون على اي تعديل.

وذكر ان الحل الامثل الذي يجب ان يطبق في الكويت، هو من خلال مصدر القوة التي تشكل 50 في المئة من المجتمع الكويتي، وهم الشباب دون سن الـ21، اذ عليهم التوجه في حراكهم وخطابهم وانشطتهم والتطرق نحو الهموم الاقتصادية، وعدم تبعيتهم لقضايا هامشية يستخدمهم فيها السياسيون كوقود لتوجهاتهم.

وطالب البغلي الشباب بان يقودوا الحراك من خلال الفكر الصحيح والمطالبة الصحيحة بحل المشكلات عبر الوسائل المتاحة والكليات والاجتماعات السياسية، فهم النواة التي يعول عليها المجتمع لانقاذه.

وبين ان الانتخابات باتت كثيرة ومتكررة في الفترة الأخيرة وكانت لها كلفة كبيرة على الوضع الاقتصادي، فضلا عن الخطاب الطائفي والاطروحات التي تخللت خطابات وبرامج المرشحين.

طموح الحاكم

وتطرق البغلي الى موضوع الطموح السياسي والحكم، مؤكدا انه لا اعتراض على من لديه طموح من رؤساء الحكومة للوصول الى الحكم ولكن هناك معادلة بسيطة يجب على الطامح تحقيقها قبل ذلك، من خلال مصارحة الناس والعمل على مستقبل الدولة وليس لمستقبل الحكم، والاعتماد على مشاريع البلد والمصلحة العامة.

وانتقل البغلي في الحديث الى المجلس الحالي قائلا انه يشبه المجالس السابقة ولكنه تفوق عليها سلبا، من خلال المشاريع التي طرحها والتي تجر البلاد نحو الهاوية، عبر طرحه مشروع إسقاط فوائد القروض والزيادات المالية الأخرى كالكوادر والمزايا المالية للعلاوات الاجتماعية وزيادات القرض الاسكاني وغيرها، مع اعادة توجيه وتعديل المديونيات الصعبة ومحاولة هدر مزيد من اموال الدولة لمجموعة اشخاص قليلين.

ووصف الحالة التي تعيشها الكويت حاليا بالحالة التي كانت تعيشها في منتصف الثمانينيات من القرن الماضي، مع اختلاف عمق المشكلة، ذاكرا ان القضايا التي كانت تطرح آنذاك هي «الصحية والاسكانية والتعليمية»، وكان هناك تفاؤل بحلها، الا انها في هذا العام زادت، وأصبحت هناك عقبات وازمات ولا ندري ماذا سيحدث مع كل تلك المشاكل، مشددا على ضرورة طرح تلك القضايا في الاعلام والدواوين وكافة المستويات ولا بد أن يحاسب فيها المقصر.

واكد البغلي ان مشكلة الكويت تكمن في عدم الالتفات إلى الرأي الفني وضربه عرض الحائط، كما حدث مع رأي البنك المركزي في قضية اسقاط فوائد القروض ورأي المختصين من الفتوى والتشريع في قانون الاعلام الموحد والتعديل على قانون المديونيات، مؤكدا أن تصويتات الحكومة سياسية دائما ولا ندري في الفترة القادمة ماذا سيحدث من تصويتات في ظل الظروف السياسية المقبلة قائلا: «هذا هو النمط ولن يتغير».

تعقيبات الحضور

من جانبه، عقب النائب صالح الملا على كلمات المتحدثين قائلا ان المعلومات التي قيلت على لسان المتحدثين بمثابة فاجعة كبرى، مؤكدا أن «مشكلتنا تكمن في اننا تركنا الجانب المهم وهو الاقتصادي والتفتنا الى السياسة»، ولا يعرف السياسيون اهمية الاقتصاد الا عند التحدث عن الكوادر والمزايا المالية والمشاريع الشعبية.

واستغرب الملا موافقة الحكومة على قانون اسقاط فوائد القروض، رغم رفضه من قبل القيادة السياسية قبل سنتين، وحين طرحي هذا السؤال على احد المسؤولين القريبين من السلطة، اكد ان الوضع السياسي اختلف ويحتاج لهذا القرار في هذا الوقت.

وطرح الملا خلال الندوة اقتراح تحويل الكويت الى «عاصمة النفط»، اذ يتضمن حلولا كبيرة لما نعانيه، خصوصا «اننا لسنا دولة صناعية ولا تتوافر فيها الموارد باستثناء البترول».

السعدون: مؤشرات لسقوط الدولة!

أكد السعدون في رده على أحد الحضور، الذي تطرق الى موضوع سير البلاد نحو المحافظة على الحكم دون المحافظة على مشروع الدولة، قائلا انه «لا الدولة قابلة للاستمرار ولا الحكم قابل كذلك».

وذكر السعدون ان ما يشير الى ذلك هو اعتماد الدولة على ثلاثة مؤشرات قد تسقطها خلال السنوات القادمة: وهي: «الاول اعتمادها على الولاء قبل الاداء، وثانيها من لا يعجبه سير الدولة من المعارضين تتم ترضيته بوسائل مختلفة، وثالثها الاهتمام بولاء القائمين على الامن لتنفيذ قرارات الحكومة تجاه من يعارضها».