قال عضو المجلس الأعلى للبترول الأسبق موسى معرفي انه لا يخفى على أحد أن "الحوادث في المصافي البترولية والمنشآت النفطية لابد من حدوثها، مهما تم أخذ الحيطة والحذر واتباع قوانين السلامة"، مشيرا إلى ان "مثلث الحريق الذي يتكون من الوقود والاكسجين والشرارة جميع أركانه متوافرة في المنشآت النفطية، فالتعامل مع المواد سريعة الاشتعال يصعب امكانية تفادي هذه الحوادث، ولذلك وضعت قوانين السلامة الصارمة مع تحديثها من فترة لأخرى وإعطاء الدورات التدريبية لتقليل وقوع هذه الحوادث فقط لا منعها تماما".

Ad

وأضاف معرفي ان ارتفاع درجة الحرارة في بعض المنشآت والذي تنتج عنه الحوادث، قد يكون بسبب سوء الصيانة او لوجود الخطأ البشري الوارد، لافتاً إلى أن "هناك حوادث قد تحصل ولكنها طفيفة ويتم السيطرة عليها بشكل سريع، ولا تؤثر على سير العمل".

 وبيَّن أن الحوادث تحدث كما كانت في السابق "لكن أحدا قبل ذلك لم يكن ينقل المعلومات عن الحوادث البسيطة بعكس ما يتم التعامل به الآن، حيث هناك الكثير من العاملين الذين يقومون بتهويل الحوادث ونقلها الى الرأي العام بطريقة غير علمية، وقد يكون ذلك راجعا إلى خلاف بين احد العاملين ومسؤوله فيقوم بتسريب المعلومات".

وأوضح أن من يتقلد هذه الاعمال في القطاع النفطي يجب ان يعطى الثقة في البداية، ويجب ان يكون شخصاً قد خضع للعديد من التدريبات والتوجيهات لكي يعمل في المنشآت النفطية، لان تلك المهام تتعلق بأرواح العاملين وكذلك تتعلق بمدخرات البلد، مشدداً على ضرورة ابعاد التدخلات السياسية عن التعيينات في القطاع النفطي، ووضع سياج يحميه من أي تدخل سواء من مجلس الامة او من بعض المتنفذين، إذ تتحمل التدخلات غير العادلة جزءا من المسؤولية عن هذه الحوادث.

وأشار معرفي إلى ان "وزير النفط هاني حسين مهني ويعي ما يقوم به، وهو في مرحلة تعديل المسار للقطاع الذي افسده الوزراء غير المهنيين الذين وضعوا القطاع النفطي محلا للصفقات السياسية"، مؤكدا أن المنشآت النفطية "قنابل موقوتة" إذا استمر التدخل السياسي فيها.

أسلوب علمي

من جهته، قال نائب العضو المنتدب لمصفاة ميناء الأحمدي في شركة البترول الوطنية محمد المطيري ان "للشركة اجراءات خاصة لأي حادث، حيث يتم تشكيل لجنة فنية بحسب تصنيف الحادث وضخامته، ثم يحدد من يترأس هذه اللجنة، التي تستخدم برنامجاً عالمياً في البحث عن الأسباب الجذرية وتستخدم طريقة علمية معتمدة "RCA”، كما يشترط أن يكون من ضمن اللجنة شخص مرخص ومعتمد في الاسلوب العلمي لحوادث المصافي".

وقال المطيري انه بحسب فداحة الحادث يتم رفع التقرير الى الشخص المعني فإذا كان الحادث بسيطاً يوجه الى رئيس الفريق، والمتوسط الى مدير الدائرة..الخ. مشيرا ان بعد ذلك تتم المناقشة لمعرفة هل هناك تقصير اداري، وإذا تبين ذلك يتم تشكيل لجنة ادارية لتقرر نوع العقاب للشخص المتسبب في الحادث، مؤكدا ان هناك جزاءات وصلت الى الفصل والتحويل الى النيابة غير أن الشركة لا تتبع اسلوب التشهير ونشر اسماء المتسببين، ففي الحادث الاخير لمصفاة الاحمدي تم توجيه انظار خطي نهائي لأحد العاملين كما تم تفنيش المقاول.

وحول رفع بوليصة التأمين بسبب الحوادث، قال المطيري: "يتم تبليغ شركة التأمين فور وقوع الحادث وتأتي لمعاينة الحادث والاطلاع على التقرير، وغالبا ما تكون الحوادث فنية لا إدارية لحرص الشركة على هذا الامر"، موضحا ان "البترول الوطنية دائما ما تحصل على نقاط عالية بالنظام الاداري".

وأكد على مفهوم وأهمية ودوافع التدريب في الشركة لأن من شأن ذلك المساهمة في زيادة الانتاج، وتحسين النوعية من خلال تدريب العاملين على كيفية القيام بواجباتهم بإتقان ومن ثم زيادة إنتاجيتهم، وكذلك الاقتصاد في النفقات، حيث تؤدي البرامج التدريبية الى خلق مردود أكثر من كلفتها، وذلك عن طريق رفع الكفاءة الانتاجية للعاملين والاقتصاد في الوقت نتيجة للمعرفة الجيدة بأسلوب العمل وطريقة الأداء.

وقال المطيري ان من عوائد التدريب التقليل في الاسراف من خلال تعريف العاملين بأعمالهم، وطرق أدائها، ما يخلق معرفة ووعياً وقدرة على النقد الذاتي بشكل لا يحتاج معه المدرب الى مزيد من الاشراف والرقابة في أدائه لعمله، فضلاً عن التقليل من حوادث العمل بعد تعريف العاملين بأفضل الطرق لتشغيل الآلة.

شهادات "الأيزو"

من جهته، قال الخبير المتخصص في تكرير وتسويق النفط عبدالحميدالعوضي "انه من المؤلم ألا نعرف كيف ولماذا تقع الحوادث النفطية في الكويت على وجه الخصوص"، وذلك رغم تطمينات بعض المسؤولين النفطيين من خلال تصريحات يملؤها الثقة، مؤكدين حصولهم على شهادات الأيزو العالمية في مجال الجودة والإدارة الفنية والمهنية والأمن والسلامة و10 آلاف ساعة عمل بدون حوادث وغيرها من الشهادات التي يتحفنا بها بعض القياديين او القياديات في القطاع النفطي.

واستغرب العوضي وقوع بعض الحوادث والتسريبات النفطية والغازية عقب اتمام مشاريع الصيانة الدورية GRTA المخطط لها مسبقا بفترة وجيزة، وهو ما يبرر الحاجة إلى صرف الملايين من الدنانير بحجة رفع الكفاءة وتفادي وقوع الحوادث مستقبلا، فضلاً عن توقف هذه المصافي او الوحدات لفترات طويلة تتعدى الفترة الزمنية المحددة، مما يزيد كلفة الصيانة ويتجاوز ارقام الميزانية المرصودة.

وأشار إلى أن هناك أسباباً مباشرة للحوادث النفطية، من بينها العامل البشري وعدم تمتع القيادة والعاملين بالكفاءة والخبرة المطلوبة في بعض الادارات الرئيسية المسؤولة بالدرجة الاولى عن الحوادث قبل وقوعها مثل ادارة التفتيش Inspection والعمليات Operations وإدارة تأمين الجودة Quality Assurance وادارة منع الحوادث أو الخسائر Loss prevention وإلا فبم نفسر ازدياد الحوادث مع كثرة تلك الادارات المتخصصة والعاملين فيها!

وأكد أن العامل البشري ركن أساسي، سواء جاء نتيجة اهمال أو تعمد للإساءة إلى المرفق كما حدث في حوادث نفطية سابقة وصفت بأعمال تخريبية في بداية الثمانينيات وحتى منتصفها مثل حرق 11 خزاناً تحتوي على منتج النافثا، ومحاولة تفجير وحدات ذات طبيعة تشغيلية عالية الحرارة وعالية الضغط، بهدف تحقيق اكبر الاضرار بسبب الموقف من الحرب العراقية- الايرانية، وللأسف تنتهي التحقيقات بإصدار مراسيم دفن الوقائع دون معرفة الحقيقة.

وأضاف أن غياب الشفافية في التحقيقات قد يوفر الغطاء لبعض المتسببين في الحوادث، نتيجة قربهم من بعض القياديين او الحزبيين او غيرهم ممن يملك تأثيرا سياسياً على اصحاب القرار، والأدهى ان يتم ترقية هؤلاء والدفع بهم الى اعلى المناصب دون مراعاة لمصالح العمل.

وتساءل: "بم نفسر محاولة توقيف مصفاة عن العمل والإنتاج لمجرد تسرب بخار ماء من أنبوب؟ وبم نفسر مقتل اثنين من العمال في وحدة الايزوماكس عام 2008، وبعدها بثلاثة اعوام يقتل عامل آخر في نفس الوحدة، إضافة إلى مقتل اربعة عمال في مصفاة اخرى!".

وقال إن "الحديث عن الحوادث النفطية حديث ذو شجون، يتعدى ارتباطه بالعامل البشري كسبب رئيسي، مشيراً إلى أن لهذه الحوادث عواقب مثل فقدان الزبائن العالميين الثقة بالمصفاة ومنتجاتها النفطية ومدى جودتها وفق المعايير العالمية، حيث تمنع العملاء من تسلُّم منتجاتها النفطية بسبب حوادث التلوث، ما يضر بسمعة الكويت كما تتسبب تلك الحوادث في رفع اقساط التأمين على المصافي وعلى المشتقات النفطية.

وترك العوضي السؤال مفتوحاً "الى متى سيستمر هذا التدهور في القطاع النفطي دون محاسبة، لاسيما أننا مقبلون على مشاريع جديدة مثل مشروع المصفاة الرابعة والوقود البيئي والاولفينات الثالث؟".