سليمان الشطي: مفتو الفضائيات لا يمثلون الصحوة الإسلاميَّة

نشر في 14-07-2013 | 00:02
آخر تحديث 14-07-2013 | 00:02
No Image Caption
يرفض محاولة استعداء القانون على الفكر

شدّد الدكتور سليمان الشطي على أن الظلم الاجتماعي والظروف السياسية والاقتصادية من أبرز أسباب انتشار الفكر المتطرف في البلاد العربية، لا سيما في ظل عدم قبول الرأي الآخر وإقصاء الطرف المقابل، معتبراً أن الحركات الإصلاحية لا تسير ضمن نطاقها المأمول بل يحدث تطرف فكري مع تقادم الأيام.
وبشأن الصحوة الإسلامية في فترة الثمانينيات، يصفها الشطي بالغفوة الإسلامية لأن بعض مفتي الفضائيات لا يرتقون إلى تصحيح المسار الفكري بل يساهمون في انتكاسته، مبيناً أن ثمة متطرفين يعتبرون أن المناهج الشاملة تحرض على الفساد وتنتج كفاراً. في ما يلي نص الحوار.
كيف يظهر التطرف في المجتمع وما أسباب انتشاره؟ إن أمكن استعراض محطات أدت إلى ظهور التطرف في مجتمعنا؟

يبدأ الخلاف فكرياً، فيرى أحد الطرفين أنه على صواب ولا يريد أن يعطي الجهة الأخرى أي حق، وبذلك يتحول النقاش من عرض الأفكار إلى فرضها. باختصار، هو نوع من الاختلال في التفكير والسلوك، والحالة غير الصحية في مجتمع ما تؤدي إلى أن يسود فيه هذا النوع من السلوك. أما بشأن أسباب انتشار هذا التفكير، فثمة عوامل كثيرة من بينها الظروف السياسية والاقتصادية والحياتية، إلى جانب شعور بعض الأفراد بالظلم وعدم العدالة. تؤدي هذه الأمور كافة مجتمعة إلى انتشار التطرف في المجتمع لأنه سيجد أرضاً خصبة بتوافر العناصر السابقة.

في مجتمعاتنا العربية، اتجاهان مهمان أدّيا إلى ظهور الفكر المتشدد، الأول الحركة الوهابية التي سادت خلال القرنين التاسع عشر والعشرين، والثاني حركة الإخوان المسلمين. بالنسبة إلى الحركة الوهابية، بدأت بدعوة إصلاحية، لكن سرعان ما تحولت هذه الدعوة إلى فرض الرأي الواحد عنوة ومحاربة كل من يختلف معهم. والملاحظ أن الخلاف في هنا ليس مذهبياً أو صراعاً بين أطراف متناقضة، بل كان الخلاف على مفاهيم المذهب السني نفسه. والكويت عانت من هذا الوضع حينما تعرضت لهجوم الوهابيين على فترات مختلفة آخرها في عام 1920 في معركة الجهراء، وعلى رغم أن المجتمع الكويتي كان مسلماً، لكن الحركة رفضت بعض السلوك الذي تراه منافياً لتعاليم الدين الإسلامي.

أما بخصوص حركة الإصلاح الفكرية، فقد بدأت في بعض البلدان العربية ثم تحولت على يد البعض حركة منظمة اتخذت طابع الدعوة الحادة متمثلة بحركة الإخوان المسلمين وحركات أخرى. لكن حركة الإخوان تعرضت لهزات مختلفة على فترات متباينة، ثم بدأت الحركة في تكفير المجتمع، والخليج العربي لم يكن بمنأى عنها.

كان المجتمع الكويتي ينعم بثقافة الاعتدال بفضل وجود بعض رجال دين مستنيرين، حدثنا عن سماحة هؤلاء العلماء وعن أسباب التقهقر الحاصل راهناً؟

نعم ممكن أن نتحدث عنه من باب المقارنة بين مرحلتين. المجتمع الإسلامي مثلاً، أو الكويتي خصوصاً، لو ظل في إطار الحفاظ على نهج إسلامي معتدل، لاختفت هذه المشكلة. ولكن عندما جاءت الدعوات وتعددت أوجهها، كانت هناك دعوة في مقابل أي دعوة قائمة، والأمر لا يتعلّق بفكر ليبرالي، متحرك ومتأثر، بل بالدعوات الإسلامية ذاتها، فثمة قواعد إسلامية راسخة اعتادت التسامح وقبول الآخر. فالمجتمع الكويتي مجتمع ساحلي، أفراده يسافرون كثيراً، ويلتقون بعناصر في الثقافة الهندية والثقافة الشرق أفريقية، فضلاً عن الاحتكاك بالجيران في إيران والعراق. في الكويت، شعب متحرك، ولذلك رجال الدين أو الذين نسميهم بأنهم أصحاب معرفة علمية، يجمعون بين عناصر عدة، فهم رجال دين وهم أيضاً مربون، أي بمعنى أنهم كانوا يشتغلون في التربية وليس الدعوة، والمربي المعتدل العارف أدى إلى وجود أناس يتفهمون طبيعة المجتمع. وكما أن على المربي ألا يقسو على الطفل كي يعتدل، كذلك كان منهج هؤلاء قائماً على النصح، والدعوة في الآن ذاته. حتى توجههم إلى الدعوة يكون بالتدريج، فنجد أنهم شيوخ مستنيرون. عبد العزيز الرشيد رجل دين معتدل، كان في بدايته متأثراً بالأفكار القائمة في المجتمع، ولكن عندما انفتح فكره بدأ يعطي، وظهرت لديه نظرات إصلاحية، وكان يؤيد مفهوم الدين العلمي، بمعنى أنه لا يتعارض مع العلم، وكان معه عدد من الذين يدرسون الدين واللغة العربية. كذلك الشيخ يوسف بن عيسى القناعي رجل دين ومتعلّم، وهو صاحب فكر مستنير. وعلى رغم أن الشيخين أحدهما حنبلي، والآخر شافعي، لم يكن يظهر عليهما أبداً هذا الاختلاف الفكري لما يتمتعان به من انفتاح علمي وثقافي. يمكن أن نضيف إليهما عبد الله خلف الدحيان، وهو أيضاً عالم جليل، ويعتبر حجة في الفقه الإسلامي، ولكن لم يكن ينظر أو يرى بتسييس الدين أو إدخاله في السياسة، لذلك كان عالماً متوازناً.

 هؤلاء كانوا أعلاماً ولهم بالغ الأثر على تلامذتهم، والأجيال التي جاءت من بعدهم، ما أدى إلى تشكيل نوع من التوازن، لا يغلب فيه فكر متطرّف على آخر منفتح، حتى بدأ مع مرور الزمن يخفت صوت هؤلاء، وظهرت حركات جديدة بدأت تتسلّط على الدولة، وأركانها متمثلة في عدد من الوزارات من بينها وزارة الأوقاف، والتربية. فبعد الستينيات والسبعينيات انحسر، للأسف الشديد، دور الفكر الديني المستنير، الذي كان يُدرّس في الثلاثينيات والأربعينيات، فهذه التيارات المنغلقة التي نراها الآن وتريد أن تدخلنا في دائرة كبرى هي أكبر بكثير من أن ننظر إليها من وجهة نظر دينية فحسب، بل هي مرتبطة بتيارات سياسية ومصالح أخرى.

يشهد الحراك السياسي الكويتي في بعض حالاته استقطاباً طائفياً بهدف الوصول إلى كرسي البرلمان، فهل في ذلك دلالة على نضج سياسي؟ وكيف تقيم الوضع الحالي مقارنة بفترتي الستينيات والسبعينيات؟

الشيء الغريب، ولنقل ليس غريباً لأنه منطقي، أن هذا الاصطفاف الطائفي، وهذا الانحراف في المسار الديمقراطي، هو نتيجة لهذا الفكر المتعصب نفسه، لأن التعصب حتماً سيجر إلى تعصب آخر، والانغلاق يجر إلى انغلاق آخر، وعندما ينزوي شخص ويجمع حوله من يريدهم، يلجأ الآخرون أيضاً إلى الطريقة ذاتها. لنقارن مثلاً الفكر القومي، لا تستطيع أن تصنفه إلا باعتباره فكراً قومياً، لا يمكن أن نقول عنه سنياً أو شيعياً، أو علمانياً. حتى لو نظرنا إلى تلك الفترة، نجد أن الليبراليين أو القوميين لم يصنفوا أصحابهم تصنيفاً طائفياً، يضاف إليهم جميع الأطياف التي كانت متعايشة مع بعضها البعض، بما في ذلك حركة العمّال، فهذا الفكر الطائفي كان ملغياً تماماً، ولا وجود له، لذلك فالشعار واحد والدعوة واحدة، والارتباط واحد، وعندما تلاشى هذا الفكر الحاوي، حل مكانه فكر آخر يُطلقون عليه مسمى إسلامي، ولكنه برأيي ليس إسلامياً. هم طائفة من المسلمين، اتخذت لنفسها اتجاهاً معيناً وحصرت الأمر فيه، فما دام الإخوان المسلمون موجودين لا بد من أن ينتج منهم حراك مقابل. فهؤلاء سنة، إذاً لا بدّ من أن يكون هناك شيعة، فحتى الذي كان سابقاً من القوميين العرب بات محتماً عليه أن يذهب هنا أو هناك، بمعنى أن ينتمي إلى هذه الطائفة أو تلك. وبالطبع، ثمة أسباب أخرى تتعلّق بتدخل السلطة، وما ينتج منها من عمليات مصالح، ومحاولة التأثير على الحياة الديمقراطية. هذه العناصر كافة، لا داعي للحديث عنها بالتفصيل، فالناس هنا يعرفون ماذا حدث في فترة الستينيات والسبعينيات، حتى وصلنا إلى هذا الوضع الذي نحن فيه. وجاءت بعد ذلك في الثمانينيات تيارات أخرى، كما حصل مع الحركة الأفغانية، وتلك الدعوات التي انطلقت بعبارة «الإسلام هو الحل»، وغيرها من أمور. وشهدت مصر مثلاً إيقاظ حركة المسلمين وانطلاقها من العمل السري إلى العمل العلني، والثروة الخليجية أصبحت في يدها، وأصبحت تنتقل تحت غطاء الأعمال الخيرية، وغيرها. حتى توسع الإطار ودخلنا مع هذه المنظمة العالمية التي عندما كبرت وتوسعت، كان لا بد من أن تظهر من تحت عباءتها عناكب وثقافة ثعابين، وهم الذين نسميهم متطرفين.

يرى بعض الكتاب أن ظاهرة {الصحوة الإسلامية} في فترة الثمانينيات هي أحد أسباب ظهور التطرف وتناميه في بعض دول الجوار، ومن ثم في الكويت، فهل تتفق مع هذا الرأي؟

أولاً، دعني أصحح ما يدعونه «صحوة إسلامية». أنا ضد هذا المصطلح. أعتبر أن ما حدث في الثمانينيات {غفوة» إسلامية، وليس صحوة. الحق أن الصحوة الإسلامية كانت قبل هذا التاريخ، فالصحوة كانت على يد العلماء الكبار لا مُفتي الفضائيات الإسلامية الذين نشاهدهم الآن. فالعلماء الكبار، بدءاً من حركة الأفغاني وصولاً إلى الكواكبي، ومن ثم محمد عبده ومحمود شلتوت، هؤلاء ميزانهم في العلم والفقه ثقيل جداً، وآراؤهم متطورة وفاهمة لعمق الإسلام، ولكن جاء بعدهم للأسف ما يسمونه بالصحوة، وأنا أسميه الغفوة الإسلامية.

إذاً المال السياسي، والانفراد بالساحة، مع الشعارات الكثيرة التي تلقى قبولاً اجتماعياً كبيراً جداً، كلها أسباب هيأت لهم سبل السيطرة، وعندما جاءت القوى العالمية في الثمانينيات وجدت أن الوضع مهيأ للتعامل مع هؤلاء في مرحلة محاربة الاتحاد السوفياتي، باعتباره الشيوعي الأكبر، وكان فرصة لإطلاق حرب إسلامية مع الاتحاد السوفياتي، وهي في حقيقتها حرب أميركية مع الاتحاد السوفياتي. ولو فتحنا تلك الملفات لاحظنا بسهولة كيف أن التطرف بدأ يتوالد، وشهدنا بعد ذلك أسامة بن لادن وحركة طالبان. هذه الحركة وأشباهها لم يظهروا فجأة، بل ثمة قوى كبرى مهدت لهم حتى يدخلوا في الإسلام، فأصبح كل إنسان مسلم مطالباً بأن يكون له دور بماله أو نفسه في هذه الحرب، ووصلنا إلى ما نحن فيه. أصبح القتل حرفة، وكل هذا تحت شعار الإسلام.

يستند البعض إلى حديث {من رأى منكم منكراً...} باعتباره رخصة إسلامية لممارسة العنف ضد أي منكر... كيف ترى ذلك؟

مشكلتنا أننا نأخذ النصوص منفردة، ونعممها عندما نشاء. بالرجوع إلى العصور الإسلامية الأولى، لا نجد أن الإسلام أعطى رخصة لأي مسلم في الشارع ليصنع ما يشاء نتيجة لأنه رأى أن هذا الفعل منكر، فكل إنسان مطالب بالوقوف ضد المنكر، ولكن ما هي الطريقة لذلك؟ ترى الأخطاء، لكنها تكون خارج إطار استطاعتك كفرد، وهنا تلجأ إلى السلطات القانونية. وما يقع تحت استطاعتك كفرد أمور محدودة جداً كأن تزيل الأذى عن الطريق، ولكن أن يصل الأمر إلى التعدي على الآخرين وأن تقتل لأنك ترى منكراً، فأنت هنا منحت نفسك صلاحيات ليست لك، وحمّلت النص فوق ما يحتمل.

لم نعهد في عصر الرسول (ص) ولا في حياة الخلفاء أن المسلمين يمشون في الشوارع ويقومون بأمر الإصلاح على هذا النحو، لذلك نحن نأخذ العبرة من القديم، وفي الوقت ذاته نحكم عقولنا في النصوص التي أمامنا. جاء النص ليخاطب مسلمين عقلاء يعيشون في دولة وتحت نظام محدد، وهذا الحديث الذي أشرت إليه لا يستغل في غير موضعه، ولا يعطي الحق لأي إنسان بالتعدي على الآخرين، وإلا فنحن ندعوا إلى الفوضى، لأننا أيضاً يمكن أن نرى ما نسميه منكراً من وجهة نظرنا تجاه تصرفات يفعلها المتطرفون، فنلجأ إلى تغييره بيدنا، وهكذا ندخل في دوّامة لا تنتهي.

هل تساهم المناهج التربوية في الكويت في غرس مبادئ التسامح وقبول الآخر وضبط النفس؟ وما الذي تحتاج إليه المؤسسات التربوية للمساهمة في بناء مجتمع متسامح متكافل اجتماعياً؟

الحركة السياسية التي أخذت من الدين غطاءً وصلت حدود سيطرتها إلى التربية وتغلغلت، وبدلاً من أن تأخذ وتنظر إلى ما هو صالح لكل مرحلة فكرية وعمرية كما كان موجوداً، حاولت أن تدخل النشء في نظرتها الخاصة جداً، ولذلك حصل تغيير في المناهج والمقررات. مثلاً، بالعودة إلى الكتب المدرسية للمراحل المتوسطة والثانوية في الأربعينيات والخمسينيات والستينيات، نلاحظ مناهج جميلة تقدم الوجبة الضرورية للأطفال والدارسين، فلا تدخلهم في معضلات ليس من معطيات الدين بل من مجريات الواقع كالخلاف بين الصحابة. فهذه الأمور ليست من الدين ويجب على المسؤول التربوي ألا يوصل الفكر إلى العناد. مثالاً على ذلك، بعض العبارات المتشددة التي تدعو إلى الفتنة المنتشرة في معظم الأماكن. هذا التفكير وليد المناهج الحالية التي تسعى إلى تخريج كوادر وليس مواطنين.

وسأسرد لك بعض الأمثلة، مسألة إلغاء مقومات الإنسان الترفيهية والفنية كافة من المنهج والتقليل من أهميتها كتقليص مواد الرسم والموسيقى، والنشاط المسرحي والنشاط المدرسي اللذين «توفيا بالسكتة القلبية». يظن المتطرفون أن هذه النوعية من المناهج تخرّج كفاراً أو فاسدين، بينما الواقع يؤكد عكس ذلك، فالمجموعات التي تخرجت آنذاك كانت تتسم بالأفق الواسع في حين جنحوا هم إلى التعصب وأنشاؤوا متعصبين. التربية يجب أن تبدأ من المشترك العلمي وأن القيم الأساسية في الإسلام لا تركز على نقاط الخلاف الموجودة في تاريخنا، كما تبتعد عن تغذية الطالب بهذا التباين في الرأي، وما دام ثمة خلاف على موضوع معين فهو يفتقر إلى الإجماع، واتساقاً مع مبادئ التعليم الأولى فإن المناهج يجب عن تستند إلى أمور تحظى بالإجماع ولا تدعو إلى التفرقة. ثمة حادثة جميلة يجب أن تستقي منها العبر وتتلخص في أن الخليفة عثمان بن عفان أمر بجمع القرآن الكريم في نسخة واحدة وأجبر الناس على قراءة هذه النسخة، ليس لأن ثمة خلافاً على النصوص، بل لأنه توجس خيفة اختلاف طريقة القراءات اللهجية، وحينما عرف أن الأطفال في الشوارع تحدث بعضهم  بأن قرآني خيرٌ من قرآنك لم يقف مكتوف اليدين حيال هذا الموضوع، وتدخل سريعاً لحماية الدين، لأنه كتاب واحد. السؤال المهم هنا، لماذا نصنع خلافاً لما قام به الخليفة عثمان بن عفان، فنبحث عن العنصر المفرق ونهمل العنصر الموحد؟

مناهج التربية يجب أن يضعها تربويون اختصاصيون، كل في عمله ضمن منهج معين. ولا تترك التربية لفئة محددة تريد تحديد شكل المجتمع وفقاً لتفكيرها فحسب.

التطرف الفكري والتحريض عليه ليس جريمة يُعاقب عليها القانون، على رغم المشكلات الكبيرة التي يسببها هذا التطرف، هل نحن بحاجة إلى سنّ قوانين جديدة في ما يتعلّق بهذا الجانب؟

أصعب شيء أن نفكر بمصادرة آراء الآخرين والدخول ضمن هذا المجال قد يمنح مبررات لمداخل أخرى، لذلك أرفض أي محاولة لاستعداء القانون على الرأي والفكر، لكن ثمة مداخل كثيرة في القانون أن كل شيء يسيء إلى المجتمع أو فئة محددة وتكون إساءة محددة من القضاء ضمن إطار القانون والحرية الكاملة، لذلك لا بد ألا تكون غلبة فكر على فكر آخر.

حينما تكون الساحة واسعة ومنوعة، لا يمنح ذلك أي فرد حق مصادرة آراء الآخرين، وعندما يُترك الإسلامي والليبرالي يتحاوران ضمن إطار من الحكمة وحرية الرأي من دون منح الغلبة لشخص على حساب الآخر سينتصر الحق ولن يكون للتطرف مكان في هذه الحالة، لأن الناس تميل إلى الآراء الأكثر منطقية والأقل تطرفاً. لكن في حال تم تسليط فئة على أخرى سيحدث بعض الأمور الخاطئة.

ومن منظوري، لدينا من التشريعات ما يكفينا. لذلك أنا ضد سن قوانين جديدة، بل أدعو إلى إرساء الحرية للأطراف كافة.

ما مدى تأثير التطرف على المشهد الثقافي المحلي؟

المثقفون والكتاب هم أكثر المتضررين، لأن الثقافة أصبحت مخاطرة، كذلك يعاني الكتاب أشكالاً متنوعة من الاضطهاد تبدأ بالتعرض اللفظي وتنتهي بالقتل. للأسف، كانت لدينا في السابق رقابة واحدة متمثلة في وزارة الإعلام، بينما راهناً ثمة رقابات كثيرة من خارج المؤسسة تفرض رأيها. فلو أخذنا معرض الكتاب، يُصادر فيه بعض الكتب لأسباب احترازية لا علاقة لها بالمحاذير الرقابية، فقرارات المنع تصدر إرضاءً للمتشددين الذين يقرأون بعض الكتب ولا تروق لهم جملة أو ربما سطراً في الإصدار، فيلومون المؤسسة الرقابية للسماح لهذه النوعية من الإصدارات بالتداول محلياً. للأسف، ضاعف هذا الوضع من الرقباء في المجتمع فأصبح لدينا مليون رقيب بسبب ضعف الجهة التنفيذية وعدم قدرتها على مواجهة هذه الأمور، ونظراً إلى استجابتها لهم ظهر لدينا اجتهاد جديد لا وجود له في العالم، إذ بدأت تتخذ السلطات الرقابية قرارات منع لأسباب احترازية ودرءاً لرد فعل ربما يحدث بسبب تداول إصدار معين. للأسف، الوضع لا يسر، وأصبحت الجرأة على الكتاب أكبر من الجرأة على حمايته وعقب تكرار بعض الحوادث، لجأت الجهات الرقابية إلى القرار الأسهل في اتخاذ المنع.

إذا أردنا الحديث عن الكتاب الذين ذهبوا إلى القضاء بسبب كتاباتهم فقد أنصفهم القضاء ونسبة 90 في المئة منهم حكمت لصالحهم، وأثبت صحة ما قاله الكاتب وانتفاء الجرم في ما ذهب إليه.

الفكر محاصر الآن جداً ونحتاج إلى كتَّاب فدائيين لا كتاب ينصرفون إلى توعية المجتمع ولا يفكرون بحماية أنفسهم. كذلك ثمة قرارات منع صدرت بشأن كتب تناقش بعض الأوضاع في دول عربية يتم منعها في الكويت بينما تسمح هذه الدول بتداولها. إنه خوف مرعب.

هل ترى أن العالم الإسلامي قدّم ما يستحق لتصحيح الصورة المغلوطة التي كرّس لها الإعلام الغربي عقب أحداث 11 سبتمبر 2001، وهل المؤتمرات التي ينظمها بعض الدول كفيلة بإحراز تقدم ضمن هذا الجانب؟

لا، ليس لأسباب تتعلق بالجهد المبذول، بل لأن المنطلق خاطئ. تود هذه المؤتمرات إيصال رسالة للعالم تقول إن الإسلام دين السماحة، وهذه القضية أثبتها الإسلام قبل أكثر من ألف عام وهو مستمر وشكّل حضارة عريقة وممتدة. السؤال، لماذا بين المسلمين هذا التطرف؟ وإذا استطعنا أن نقدم للعالم دليلاً على أننا كحكومات ومؤسسات ومجتمعات وأفراد نسعى إلى إشاعة روح الإسلام بيننا في بلداننا، والإسلام المعتدل الذي يعتمد على أن رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأيك خطأ يحتمل الصواب، حينها سينظر إلينا العالم من منظور آخر، لذلك على المسلمين إصلاح ذواتهم من الداخل. كيف تنظر إلى مسلم يفجر نفسه في مسجد، هل هو معتدل أم متطرف؟

ما دور المؤسسات المدنية في نبذ التطرف في المجتمع، وهل تقوم بهذا الدور فعلاً؟

عليها أن تتكاتف وتحاول إعادة اللحمة إلى المجتمع والعمل على تخليصه من أمراض القبيلة والطائفة. نحن شعب متجانس وعناصر التكامل متوافرة، لماذا ننشئ أسباباً للفرقة بيننا؟ عاش شعب الكويت في سفينة واحدة، وتكاتف هذه المجموعة أوصلها إلى نقاط بعيدة من العالم.

back to top