هلا يتوقف الجميع عن الادعاء أن روسيا قد تكون شريك الولايات المتحدة والدول الأخرى في حلّ الأزمة السورية! شهدنا في الآونة الأخيرة تقاطر الدبلوماسيين الغربيين ومسؤولي الأمم المتحدة إلى موسكو: فقد زارها مستشار الأمن القومي الأميركي توم دونيلون نحو منتصف شهر أبريل، وبعده وزير الخارجية الأميركي جون كيري في مطلع مايو، ثم رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون. قدِم كل هؤلاء إلى روسيا للتشاور مع الرئيس فلاديمير بوتين وطلب، من بين أمور عدة، مساعدة القيادة الروسية في الشأن السوري، فماذا كانت نتيجة كل هذه المساعي؟

Ad

تشير التقارير في صحيفة "نيويورك تايمز" يوم الجمعة الماضي إلى أن روسيا، رغم اعتراضات القادة الأميركيين والإسرائيليين، نقلت صواريخ جوالة متطورة مضادة للسفن إلى النظام في دمشق. ولا شك أن هذه الأسلحة عززت قدرات بشار الأسد على التصدي لأي تدخل خارجي يشمل ضربات جوية، حصاراً بحرياً، أو منطقة حظر جوي. كذلك ذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال" أن روسيا أرسلت ما لا يقل عن 12 سفينة حربية نحو قاعدتها البحرية في طرطوس بسورية خلال الأشهر الماضية، دافعةً بذلك الغرب إلى التفكير ملياً قبل التدخل.

علاوة على ذلك، أعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أن على إيران، أبرز داعمي الأسد، المشاركة في المؤتمر الذي تخطط روسيا لإقامته بالتعاون مع الولايات المتحدة حول الشأن السوري. كذلك عرقلت روسيا ثلاثة قرارات في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة حول سورية. وقبل أيام، كانت روسيا بين 12 دولة فقط صوتت ضد قرار في الجمعية العامة (التي لا تتمتع فيها أي دولة بحق النقض)، في حين أيدته 107 دول أخرى.

رغم كل ذلك، ظلّ الرئيس أوباما خلال مؤتمره الصحافي يوم الخميس الماضي مع رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان متمسكاً بأمل أن يؤدي مؤتمر يونيو "إلى نتائج إيجابية" بحمل المعارضة السورية وممثلي النظام على الجلوس معاً إلى طاولة المفاوضات. قُتل أكثر من 80 ألف شخص وهُجّر ما يفوق الخمسة ملايين نتيجة المجازر التي يرتكبها الأسد ضد شعبه، لكن أوباما وقادة آخرون ما زالوا متمسكين بوهم أن تسوية تؤدي إليها المفاوضات قد تنهي القتال.

ترك غياب تدخل القوى الغربية فراغاً في سورية ملأته القوى المتطرفة التي تقف إلى جانب المعارضة، فأعطى هذا التطور الحرب طابعاً متشدداً وحال دون عقد أي صفقة سلام أو اتفاق حول حكومة انتقالية، علماً أن الروس يصرّون على ألا تستبعد هذه الحكومة الأسد تلقائياً.  يبدو بوتين مصمماً على الحؤول دون الإطاحة الأسد، خوفاً من أن سقوط قائد شبيهاً له قد ينعكس سلباً على بلاده، ويُظهر نقل روسيا الصواريخ ونشرها السفن على الطول الساحل السوري رغبة بوتين في التخلص من احتمال أن تقود الولايات المتحدة عملية تدخل، فضلاً عن رغبته في الحفاظ على القاعدة الروسية في طرطوس. كذلك تكشف تصرفاته مدى احتقاره الولايات المتحدة، التي يعتبرها دولة ضعيفة تحتاج إليه أكثر من حاجته إليها.

بالإضافة إلى سياسة روسيا تجاه سورية، تكثر الأمثلة على هذا الاحتقار حتى خلال الأسبوعين الماضيين، ففي اليوم الذي وصل فيه كيري، اعتُقل مسؤول بارز سابق في السفارة الأميركية، يعمل راهناً في القطاع الخاص، في مطار شيريميتيفو في موسكو طوال 17 ساعة من دون طعام أو ماء، استُجوب، ومن ثم رُحِّل. وأبقى بوتين كيري منتظراً طوال ثلاث ساعات قبل أن يلتقي به، كذلك كان طاقم تصوير موالٍ للكرملين مترقباً لتصوير ومتابعة مسؤولَين من السفارة الأميركية لدى وصولهما إلى منزل ناشط اجتماعي للالتقاء به، وظلّ هذا الطاقم منتظراً في الخارج حتى رحيلهما، ولا شك أن استعراض راين فوغل أمام الكاميرات، فيما راحت روسيا تنادي بأنها أمسكت "بجاسوس" أميركي، شكّل صفعة على وجه الولايات المتحدة. وكما لو أن هذا لم يكن كافياً، نشر جهاز الأمن الفدرالي الروسي الهوية المزعومة لرئيس مركز وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية في روسيا، ما يُعتبر انتهاكاً كبيراً للبروتوكول المتبع بين وكالات الاستخبارات في كلا البلدين.

رغم ذلك، أعطى أوباما الانطباع أنه يتطلع بحماسة إلى لقاء بوتين على هامش اجتماع مجموعة الثماني الشهر المقبل في أيرلندا الشمالية واجتماع مجموعة العشرين في روسيا خلال شهر سبتمبر. كذلك عبّر السفير الأميركي في موسكو عن أمله بأن يحضر أوباما الألعاب الشتوية السنة المقبلة في سوتشي في جنوب روسيا... لكن كل هذا مؤلم حقاً.

على إدارة أوباما أن ترى بوتين على حقيقته: قائد شرير، وفاسد، ومستبد يزدري الغرب، خصوصاً الولايات المتحدة، ويشرف على أسوأ عملية لقمع حقوق الإنسان في روسيا منذ انهيار الاتحاد السوفياتي. آن الأوان للتصدي لعجرفته وسلوكه المشين كي نحافظ على بعض من احترامنا لأنفسنا، فلن يساعدنا النظام الروسي في الشأن السوري، وبوتين ليس صديقاً بالتأكيد.

David J. Kramer