الخطوة التي أقدم عليها الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي، بإزاحة أبناء وأقارب علي عبدالله صالح من مواقع النفوذ والمسؤولية، تدل على شجاعة وإقدام، وعلى إرادة فولاذية لتطهير اليمن من حكم عائلة بقيت تحكم، في دولة من المفترض أنها ليست "إمامية" ولا "ملكية"، وإنما جمهورية، نحو خمسة وثلاثين عاماً، ولبدء عملية إصلاح جذري من المفترض أن تستمر وأن تتواصل رغم أنه لاتزال تقف في وجهها عقبات فعلية كثيرة.
لا ضرورة للعودة إلى ماضٍ أصبح بعيداً لإيضاح الطريقة التي وصل من خلالها علي عبدالله صالح إلى الحكم، وكيف تَطلَّب هذا الوصول اغتيال رئيسين يمنيين سابقين، هما أحمد الغشمي وإبراهيم الحمدي، وإيضاح كيف أن ضابطاً صغيراً، كان مغموراً ولا ينتمي إلى عائلة "الأحمر"، التي لها الآن وفي السابق "مشيخة" قبائل "حاشد" المتنفذة، قد اتبع كل الأساليب "المكافيلية" لتمكين أقاربه وأعمامه وأخواله من السيطرة على الحكم، وعلى الاقتصاد والجيش والأمن وكل شيء، حتى بعد توحيد شطري البلاد في عام 1990، والاستمرار في السلطة المطلقة كل هذه السنوات الطويلة.والآن بعد ما تمت هذه الخطوة الشجاعة والمهمة جداً، التي من المفترض أن تُستكمل بخطوات مماثلة كثيرة لبناء اليمن الجديد، الذي يكفيه كل ما عاناه، سواء في العهد الإمامي أو في العهد الذي اعتبر جمهورياً بـ"السلبطة"، وبدون أي وجه حق،... الآن يجب أن يقف "الحراك الجنوبي" وقفة وطنية صادقة، وأن يراجع كل دعوات العودة إلى "التشطير"، وأن يكف عن استخدام مصطلح "الاحتلال اليمني"، لاسيما وقد احتل جنوبيان هما: الرئيس عبدربه منصور ورئيس وزرائه محمد باسندوه أهم موقعين في ذروة المسؤولية.ربما كان مع "الرفيق" علي سالم البيض، ومعه "الرفيق" أبوبكر العطاس و"رفاق" آخرون في الحزب الاشتراكي، بعض الحق، وليس كله، لرفع شعار العودة إلى الوضعية التشطيرية، التي كانت قائمة قبل عام 1990 بعد حرب عام 1994، التي فهمها هؤلاء، والتي فُهِمت فعلاً سواء في اليمن أو في المنطقة العربية أو في العالم كله، على أنها انتصار الجنوب على الشمال، أما الآن وقد رحل نظام علي عبدالله صالح، وبدأت بداية نهاية النظام القبلي الذي بقي سائداً منذ فجر التاريخ، فإنه لابد من وقفة جادة لمراجعة الحسابات بعيداً عن الدوافع الذاتية والحزبية الضيقة، وعلى أساس أنه ليس ذنب الوطن الواحد وذنب الوحدة، التي لاتزال مطلباً شعبياً يمنياً، أنها ابتليت بتجربة كل هذه السنوات العجاف منذ عام 1994، لا بل منذ عام 1990.وهنا فإن ما يحزُّ في النفس أن "الرفيق" علي سالم البيض، الذي كان من خيرة مناضلي حركة القوميين العرب، بينما كانت في ذروة نهضتها، والذي كان أيضاً من أشجع شجعان تلك الثورة الباسلة التي اجترحت معجزة الاستقلال في عام 1967 ضد الاستعمار البريطاني البغيض والطويل، والذي لا يشبهه إلا استعمار فرنسا للجزائر مئة واثنين وثلاثين عاماً، قد حاد عن هذا الخط القومي، وأنه نسي تاريخه في المرحلتين القومية والماركسية، وحشر نفسه حشراً في تحالف لا يمكن تبريره ولا الدفاع عنه مع إيران المذهبية الصفوية ومع "حزب الله"، الذي يشكل دولة الولي الفقيه الطائفية في ضاحية بيروت الجنوبية.نحن نعرف كم كانت تجربة "الرفيق" علي سالم البيض مُرة قبل حرب عام 1994، عندما كان نائباً ماركسياً لرئيس قبلي هو علي عبدالله صالح، وبعد ذلك عندما أصبح مشرداً يتنقل من عاصمة إلى أخرى حسب أمزجة الدول التي استضافته خلال كل هذه السنوات الصعبة والقاسية... لكن كل هذا لا يبرر لرجل بكل هذا التاريخ أن ينقلب كل هذا الانقلاب على نفسه وعلى مبادئه والتزاماته وقناعاته السابقة، ويتحول من رمز للوحدة إلى رافع لشعار العودة إلى الانقسام والتشطير، ومن الماركسية- اللينية إلى الطائفية و"الولي الفقيه"، ومن العلمانية إلى الخرافات والهلوسات التاريخية.
أخر كلام
من الماركسية إلى ولاية الفقيه!
12-04-2013