يرى ماثيو إيغليسياس أن سياسة الاستقطاعات التي دخلت فيها الولايات المتحدة ستمثل سياسة جيدة بالنسبة إلى الليبراليين لأن معظم التخفيضات تستهدف تقليص الإنفاق الدفاعي الذي تصاعد بصورة حادة ليصل إلى مرحلة قصوى عديمة الفائدة تماماً.
ملخص الأمر، أنه إذا كنت من حمائم الدفاع مثلي ولديك وجهة نظر واقعية بعيدة عن الخيالات والمثاليات حيال الميزانية التقديرية المحلية، فإن الأمر سيبدو كأننا نتحدث عن خفض غير ضار في الإنفاق، مع الاعتراف التام بأن اللحظة الراهنة ليست الوقت الأمثل من أجل تقليص الهدر في الإنفاق الحكومي. ونستطيع القول، في ضوء معدلات البطالة المرتفعة، ومستويات التضخم المتدنية والساكنة، فإن التكلفة المنخفضة للاقتراض الفدرالي، وآليات "قانون إيفانز" في السياسة النقدية، إن سنة 2013 ستمثل وقتاً رائعاً بالنسبة إلى الحكومة الفدرالية كي تتخذ قراراتها بهدر بعض الأموال لتشغيل مركباتها المعطوبة... لكن بالنظر إلى الخطة الشاملة والصورة الكاملة للأمور، فإن هدر الموارد على برامج متدنية القيمة ليست فكرة رائعة... فلدينا في الحياة أمور أكثر أهمية من مجرد التوقيت. وبإعمال الحس التخميني لفحص التوقعات المثارة، فإن تلك الجملة الأخيرة ستكون مثيرة للاهتمام فعلاً... فهل هناك حقاً في الحياة ما يطغى على التوقيت؟ وماذا لو لم يكن هناك مثل ذلك الشيء؟ولنكن أكثر وضوحاً وتحديداً للهدف بأن نقول: ما الجانب السيئ في سياسة الاستقطاعات على وجه التحديد؟ فكما يقول جوش بارو، فإنه يرجع إلى حدوث تلك الخطوة بصورة مفاجئة وبلا منطق، وهذا بدوره يدمر خطط الناس بالنسبة إلى المستقبل. والعلماء الذين أكملوا شهادة الدكتوراه في إجراء بحوث تدور حول ضوابط وأسس قياس التوقعات الخاصة بمستويات معقولة ومرتقبة من التمويلات لبعض المجالات، اكتشفوا أنه ليس هناك علاقة بين الواقع الذي يرونه والدرجات العلمية التي حصلوا عليها. فالعائلات والأشخاص الذين عادوا إلى ديارهم بعد الأعاصير كانوا يعتقدون في قرارة أنفسهم أن بوسعهم استئناف أعمالهم التجارية مجدداً، لكن يتبين لهم استحالة تحقيق ذلك الهدف بسبب عدم وجود أموال من أجل إصلاح الجسور نتيجة ما تعرضت له "وكالة إدارة الطوارئ الفدرالية" FEMA من استقطاعات لميزانيتها وتمويلاتها. كما أن وزارة الدفاع الأميركية بات يتعين عليها بشكل مفاجئ أن تحدد النسبة المئوية المقرر خفضها وتقليصها من استحقاقات كل تعاقد مع المجندين والمتطوعين والأفراد، وهي ما يعني الدخول في حالات هيستيرية وغريبة وغير منطقية من ردات فعل اللحظة الأخيرة.ومثلما هي الحال مع معظم الإحباطات الاقتصادية فإن التعامل معها ومجاراتها يمكن في ضوء الوقت وتوافر درجة معقولة من التوقع والتنبؤ، غير أن الاستقطاعات التساومية التي تتم بصورة مفاجئة لا تمنح الناس الفرصة الكافية للتكيف مع الحالة الجديدة.ولمزيد من التوضيح والإسهاب في تلك الجزئية، فإنه يبدو أن محبي "المقايضة بساعات العمل" باستخدام عملة "الساعات"، باتوا راغبين في العودة بنا إلى تبني فكرة "مقايضة مكافئ العمل الوطني" للمصلح الاجتماعي ورجل الصناعة والمخترع الأميركي روبرت أوين في ثلاثينيات القرن التاسع عشر، أو أنهم يودون استدعاء أفكار قصص الخيال العلمي مثل تلك المعروفة بـ"الوقت المستقطع" التي تتصور إمكان استبدال الوقت بالمال بصورة كاملة، أو لمعرفة كيف اعتبر أنصار مذهب الإدارة العلمية للعمل المعروفة بـ"التايلورية" أنها المثل الأعلى للثورة الصناعية، وما أسباب اعتبار منطق التوصيل "في الوقت الملائم" عملية مهمة جداً في أنماط التصنيع الحديث.عند مستوى معين من التفكير كانت زيادة الإنتاجية مسألة لا تتجاوز أكثر من إدارة الوقت وتحسين جداوله. إن الوقت هو المورد الذي يتوافر لدينا من حيث الكمية المطلقة التي لا تنفد، لذا فإن أولئك الذين ينكثون وعودهم التي قطعوها على أنفسهم بصورة مفاجئة وغير متوقعة، يحدثون اضطراباً وبلبلة في حياتنا وبأكثر الطرق أهمية: حيث إنهم يهدرون وقتنا.هذا لا يتعلق إطلاقاً بما كان إيغليسياس يقوله... لأنه كان يقول؛ إذا أردت إجراء خفض كبير في الإنفاق الدفاعي، فإن سياسة الاستقطاعات ستضمن لك ذلك، رغم أن هذا قد لا يكون الوقت الأمثل لتحقيق تلك الاستقطاعات نظراً لحالة الوهن التي تجتاح الاقتصاد. غير أنني أظن أنه من المفيد أن يتم تذكيرنا بالسبب الذي يجعل مثل هذا الخفض الذي تم بطريقة مفاجئة ومزعجة وتساومية، فهو أسوأ كثيراً من نظيره الذي ينفذ بشكل مخطط ومدروس... فجوهر الحياة يدور حول حسن استخدامك لوقتك... والفوضى هي العدو!
مقالات
سياسة الاستقطاعات... مضيعة للوقت ومؤذية للاقتصاد!
09-03-2013