في الفقرة الثانية من كتاب أرسطو الشهير "الشعرية" يتناول الكاتب الاختلافات التي تحملها الأعمال الروائية أو التخيلية Fiction والتي تنشأ عادة عن تباين المستويات في الشخصيات المرسومة في العمل التخيلي. ففي بعض هذه الأعمال نرى أن الشخصيات أفضل من شخصياتنا في الواقع ونراها في أعمال أخرى مشابهة لشخصيات الواقع بينما في أعمال ثالثة أقل مستوى من شخصياتنا الواقعية. ومنذ أرسطو الى اليوم وهذه حقيقة في أي عمل روائي أيا كانت المدرسة الفلسفية أو الأدبية التي ينتمي اليها.

Ad

فاذا كان التاريخ لا يقدم صورة حقيقية لمجتمع ما اذا كان قراءة انتقائية لاظهار جوانب بعينها وإخفاء جوانب أخرى للوصول الى محصلة غير حقيقية في الغالب، فالعمل الأدبي ليس بالضرورة صورة بانوراما عن المجتمع وليس هو انعكاس مباشر لحالة الكاتب المنتج لهذا العمل. وكما نستطيع أن نجمع الشخصيات السلبية في التاريخ للايحاء برداءة التاريخ نستطيع بالمقابل أن نجمع الشخصيات الروائية التخيلية والتي تنتمي للتصنيف الثالث في خطاب أرسطو للايحاء بحالة عامة نطلقها على مجتمع ما.

أمير طاهري ليس ناقدا أدبيا ولا يعيب الرجل ذلك، فهو متخصص في مجاله وكاتب لأكثر من مطبوعة، لكننا نناقشه هنا كقارئ متذوق للعمل ربما لا يعنيه النقد الأدبي خارج الذائقة الأدبية والمستوى الأول من قراءة الأعمال حال أغلب قراء العربية. ولكن الرجل اختار حالة "الاحباط" ليعممها، وفي كثير من الأحيان متعسفا، على مجموعة من الأعمال الكويتية التي ترجمتها مجلة "بانيبال" في عددها الأخير. وذلك الاختيار أيضا حق مشروع في دراسة مجموعة من الأعمال لخدمة فكرة بعينها شريطة أن تقتصر هذه الدراسة على أبطال العمل المتخيل مقارنة بسواهم في ذات العمل ولا يحق بأي حال اسقاطها على المجتمع.

في العمل الأدبي بشكل خاص الشخصية البيضاء غير مغرية ولا تشكل محركا ابداعيا ومحاولة المبالغة في خلق المثال الانساني تشويه حقيقي لصورة الإنسان وانفعالاته واحباطه. والشخصية المتفائلة والمرحة طوال الخط الدرامي هي أكثر بعثا للشفقة من الشخصية المتوازنة مع واقعها في صعوده وهبوطه. وفي الكويت كما في أميركا وأوروبا لا أعرف حتى الآن شخصية روائية ينطبق عليها ما يريده السيد طاهري. ولم أتطرق الى أميركا اللاتينية لأن الإحباط في مجموعة الأعمال الروائية هناك ربما يصيبك بفقدان الأمل.

اعتراض أمير طاهري على الاحباط الذي تناوله في الأعمال الروائية الكويتية بني على معلومة خاطئة ما كانت لتصدر عن رجل مفكر وهي أن الكويت بلد غني يعيش الشعب فيه حرية معقولة مقارنة بدول محيطة به، وهو خطأ يقترب من الخطيئة. هذه الصورة النمطية التي توحي بأن الشخصيات الروائية يجب أن تكون دائما بعيدة عن المعاناة ولو على الصعيد الشخصي وأن تقارب شخصيات أرسطو الأولى وهي الأفضل من شخصياتنا لمجرد أنها كتبت عن مجتمع يعيش وفرة مالية وحرية معقولة هي صورة بائسة بعيدة عن الواقع الانساني. وهو ما يعني أيضا، حسب فهم السيد طاهري، ألا يكتب الروائي في الدول التي تعاني شحا ماليا وفقرا في الحرية المعقولة شخصيات متفائلة وغير محبطة. ويصبح تصنيف أرسطو كالتالي: المثال الأول للدول الغنية والثاني للمتوسطة والثالث للفقيرة.

ما أراد طرحه أمير طاهري باختصار هو أن الروائي الكويتي يزيف واقعه ويدعي احباطا غير موجود في عالمه الثري وأن كتاباته بعيدة عن واقعه. وهو بذلك يؤكد حقيقة قاسية بأنه لا يفهم الانسان لا في غناه ولا فقره، وذلك هو الإحباط فعلا.