استمتع الشيخ سيد مكاوي بالنجاح المتواصل الذي يحققه من محطة فنية إلى أخرى، خصوصاً بعدما حققت آخر تجاربه الموسيقية في تقديم حلقات {من نور الخيال وصنع الأجيال} نجاحاً هائلاً، لدرجة أن الإذاعة أعادت بثه بعد شهر رمضان عدة مرات، فاحتفى به النقاد والموسيقيون، أيما احتفاء، على المستويات كافة، سواء الألحان أو الكلمات، أو حتى الأصوات التي منحتها هذه الحلقات شهادة تخرج كمطربين موهوبين، عبر ألحان الشيخ سيد.

Ad

 غير أن الشهادة الأهم على نجاح تلك الحلقات كانت من «الرائع»؛ خلقاً وفناً، صلاح جاهين، رفيق درب الشيخ سيد، عندما سأله فؤاد حداد عن تقييمه للتجربة:

= الشيخ سيد مش محتاج أشهد له، علشان ما حدش يقول «مين يشهد للعروسة».

* على اعتبار أنك «أم العروسة».

= ما فيش كلام يا أبو السيد... بس النهارده أنا أم العروسة... وأم العريس كمان.

- روحك الجميلة دي يا أبو صلاح بتخلينا نحس أننا طايرين فوق السحاب.

= شوف يا فؤاد... في حاجة مهمة جداً لازم أعترف بيها... وهي صحيح إن أنا أشطر... لكن مهم أوي تعرف إن أنت أشعر.

كلما نجح الشيخ سيد في طرق باب جديد والدخول إليه، فكر في الباب الذي يليه، فطموحه يتخطى الأبواب كافة، والحواجز، فبعدما قدم الأغنية الجماعية والفردية، وبعدما قدم الديني والعاطفي والوطني، وبعدما لحن الصور الإذاعية والأوبريتات، ولحن دواوين شعرية كاملة، وبعدما لحن لمسرح العرائس، كان حلمه الدائم المسرح الاستعراضي، أن يقدم مسرحاً غنائياً ليخرج من خلاله إبداعاً من نوع مختلف، فالمسرح الغنائي قائم، ويقدم له ملحنون عظام أعمالهم. غير أن الشيخ سيد، يرى أن المسرح الغنائي لا بد من أن يكون متاحاً للجميع، بمعنى ألا يكون مقصوراً على المطربين، والأصوات الجميلة، فلماذا لا يغني الممثل صاحب الصوت الأجش؟ لماذا لا تغني الممثلات اللاتي ليس لهن علاقة بالطرب؟ فهو قادر على ذلك من خلال الأداء، فالممثل يمكن أن يغني مؤدياً وليس مطرباً، فضلاً عن أهمية أن يكون المسرح الغنائي مبهجاً، وأن تكون موسيقاه قادرة على أن تجعل المتفرج يقفز من مكانه ليشارك أبطال العرض، ولو بروحه.  

عاشق المسرح

في عام 1969 تحقق حلم الشيخ سيد الذي تمناه طويلاً، عندما جاءت فرصته ليشارك بالتلحين في الأوبريت الاستعراضي الغنائي الضخم «القاهرة في ألف عام» الذي يتناول تاريخ مصر في ألف عام، منذ العصر الفاطمي، مروراً بالمماليك، والحكم العثماني والحملة الفرنسية، والاحتلال الإنكليزي، وانتهاء بالعصر الحديث.

الأوبريت قدمته الفرقة الغنائية الاستعراضية، التابعة لوزارة الثقافة على خشبة مسرح البالون، كتبه عبد الرحمن شوقي، وكتب كلمات الأغاني صلاح جاهين، وشارك فيه عدد كبير جداً من  الملحنين، أبرزهم: أحمد صدقي، محمود الشريف، محمد الموجي، كمال الطويل، عبد العظيم عبد الحق، طه ناجي، وإبراهيم رجب، كذلك تمَّت الاستعانة بألحان سيد درويش وزكريا أحمد، إضافة إلى الشيخ سيد مكاوي، وقام بتصميم الديكور والملابس الفنان الكبير صلاح عبد الكريم، وشارك في بطولته كل من صفاء أبو السعود، سعيد صالح، تغريد البشبيشي، محمود الأتوني، كنعان وصفي، محيي إسماعيل، وسعيد طرابيك، ومن طلبة معهد التمثيل، حينذاك، أحمد زكي، يونس شلبي، ومحمد صبحي. وقام بالتوزيع الموسيقي أندرية رايدر، في حين صمم الأقنعة محمود رحمي، والرقصات دينمار زالفوت، وتولى الإخراج أحمد عبد الحليم، وأشرف عليه الخبير الألماني أرفين لايستر.

قدم سيد مكاوي في هذا الأوبريت ستة ألحان وهي: «المماليك»، {بناء القاهرة»، {البياعين»، {عيد الفطر»، {الحاكم بأمرالله»، و{يا مصر افتحي قلبك». نجح العمل، وتألق الشيخ سيد، وأبهر الجميع بألحانه، فما كان من إدارة الفرقة في مسرح البالون، إلا أن أسندت إليه تلحين الأوبريت التالي منفرداً، وتقديم جميع ألحانه، فكان أوبريت {الحرافيش} الذي سبق وقدمه كصورة غنائية للإذاعة، غير أنه حظي بإقبال جماهيري واسع النطاق، وحقق نجاحاً مشهوداً.

انطلق سيد مكاوي يصول ويجول في المسرح الغنائي فقدم كثيراً من الأعمال المسرحية المهمة، سواء لمسرح الدولة، أو للمسرح الخاص. قدم المسرحيتين «دائرة الطباشير القوقازية» ومسرحية «الصفقة»، وغيرهما، وفي الوقت نفسه واصل تقديم ألحان الصور الغنائية في الإذاعة والتي تعتبر لوناً من ألوان المسرح الغنائي أيضاً، مثل «سهرة في الحسين» و{على دمياط» و{هنا القاهرة»، وغيرها إلى جانب عشرات الألحان الإذاعية، فضلاً عن ألحان الكثير من المطربين والمطربات على الساحة الغنائية، وسط انتعاشة حقيقية يعيشها المجتمع على المستويات كافة، ليس فقط على المستويين الفني والثقافي، بل الأهم هو المستوى السياسي والعسكري، خصوصاً في ظل تحقيق تقدم ملموس في حرب الاستنزاف التي يقوم بها الجيش المصري، ويكبد العدو الصهيوني خسائر فادحة.

إحساس وطني

في الصباح الباكر، فيما كانت  القاهرة تستقبل شروق شمس يوم 12 فبراير عام 1970، ارتكب الكيان الصهيوني مذبحة غادرة في حق العاملين الأبرياء في مصنع أبو زعبل في القاهرة، إذ بينما كانت حرب الاستنزاف بين مصر وإسرائيل محصورة في حدود المواقع العسكرية في جبهة القتال وحسب، أغارت الطائرات الإسرائيلية القاذفة على مصنع أبي زعبل، وهو مصنع تملكه الشركة الأهلية للصناعات المعدنية 1970، حيث كان المصنع يعمل بطاقة 1300 عامل، وقد أسفرت هذه الغارة عن استشهاد سبعين عاملاً وإصابة 69 آخرين، إضافة إلى حرق المصنع:

= شفت الصهاينة ولاد... عملوا إيه.

* دي مصيبة. هو الحقد يوصل لحد العمال الغلابة اللي ملهمش ذنب.

= دول ناس ما عندهمش قلب يحسوا بيه ويفرقوا بين العسكريين والمدنيين.

* مش لازم نسكت... لازم نعمل حاجة... لازم.

= ومين قال إننا هانسكت... لازم نفضح ولاد... وشغل العصابات اللي بيعملوه دا.  

كتب صلاح جاهين قصيدة {عناوين جرانين المستقبل} ليعبر بها عن استشهاد هؤلاء العمال الأبرياء، الذين استشهدوا لأجل الوطن، متنبئاً بالثأر لهم وأن أرواحهم لن تذهب هباء وإنما فداء لرفعة الوطن وتحرره من العدوان الإسرائيلي، ولحنها الشيخ سيد على الفور، وتمت إذاعتها في اليوم نفسه، حيث أصر سيد مكاوي أن يغنيها العمال، ليكونوا أصدق في التعبير عن زملائهم الذين استشهدوا، فخرجت الأغنية لتهز مشاعر الجميع، وتفضح الأحقاد الصهيونية:

إحنا العمال اللي انقتلوا

قدام المصنع في أبو زعبل

بنغني للدنيا ونتلو

****

كان لحرب الاستنزاف أثر كبير على القيادتين السياسية والعسكرية الإسرائيلية، ووجه الجيش المصري ضربات موجعة على جبهة العدو الصهيوني، في مواقعه الحربية، براً وبحراً، ما أفقد العدو توازنه، وأصبحت القيادة العسكرية الصهيونية، تتصرف كثور هائج أعمى، لا يفرق في ضرباته وغاراته بين المدني والعسكري، بين الطفل والشيخ، بين الرجل والمرأة.

وبعد أقل من شهرين من الضربة الغادرة التي راح ضحيتها العمال البسطاء في مصنع {أبو زعبل}، ما بين شهيد وجريح، قامت الطائرات الحربية الإسرائيلية في التاسعة وعشرين دقيقة من صباح يوم الأربعاء 8 أبريل عام 1970 بغارات جوية على مدرسة {بحر البقر} الابتدائية، في مركز {الحسينية} في محافظة الشرقية، شرق الدلتا، والتي كانت عبارة عن دور واحدـ به ثلاثة فصول بها 150 تلميذاً، فدمرتها الصواريخ وسوتها بالأرض، وقتلت العشرات من التلامذة الأبرياء الذين كانوا يرسمون في {كراساتهم} عالماً خالياً من الحرب والحقد والعدوان، وخلفت وراءها 46 شهيداً، و50 جريحاً، من التلامذة والمدنيين.

  لم يصدق المصريون أن تصل الوحشية غير الآدمية بهذا العدو الغادر إلى درجة قتل أطفال أبرياء. لم يصدق أحد أن تكون المحطة التالية من قتل عمال بسطاء عزل من السلاح، قتل أطفال أبرياء عزل من السلاح لم تتجاوز أعمارهم العشر سنوات.

كان يوماً حزيناً على كل المصريين والعرب، وأكثر حزناً على المبدعين المصريين. لم يصدق صلاح جاهين المأساة، والغدر بأطفال في عمر الزهور، في أعمار أولاده بهاء وأمينة، والصغيرة سامية أحدثهم والتي لم يتعد عمرها العامين، من زوجته الثانية الفنانة منى قطان. ما مصيرهم في وجود عدو لا يفرق بين طفل وجندي في الميدان؟ على الفور وجد صلاح الكلمات تنساب على الورق، كتب قصيدة بعنوان {الدرس انتهى لموا الكراريس}، يصف فيها الوحشية التي قتل بها التلامذة، يخاطب من خلالها ضمير العالمين العربي والغربي لينتبه لما يحدث.

فور الانتهاء من كتابتها، هاتف الفنانة شادية التي بكت وهو يقرأها لها في الهاتف، ولم تنتظر، حددا معاً موعداً في الإذاعة في اليوم نفسه، وكان قد سبقهما إلى هناك سيد مكاوي.

كانت أستوديوهات الإذاعة مشغولة، تضج بالعاملين والموسيقيين والمطربين الذين يقدمون أعمالهم لأجل الوطن. جلس سيد مكاوي على سلم الإذاعة وبصحبته شادية، حتى انتهى من تلحين الأغنية، وعيناه لم تتوقفاً عن الدموع طيلة فترة تلحينها، وما إن انتهى اتجها إلى الميكرفون على الفور وبمصاحبة الفرقة الموسيقية، غنت شادية:  

الدرس انتهى لموا الكراريس

بالدم اللي على ورقهم سال

في قصر الأمم المتحدة

مسابقة لرسوم الأطفال

إيه رأيك في البقع الحمرا

يا ضمير العالم يا عزيزي

دي لطفلة مصرية وسمرا

كانت من أشطر تلاميذي

دمها راسم زهرة

راسم راية ثورة    

راسم وجه مؤامرة

راسم خلق جبارة

راسم نار

راسم عار

ع الصهيونية والاستعمار

والدنيا اللي عليهم صابرة

وساكتة على فعل الأباليس

الدرس انتهى لموا الكراريس

أيه رأي رجال الفكر الحر

في الفكر أدى المنقوشة بالدم

من طفل فقير مولود في المر

لكن كان حلو ضحوك الفم

دم الطفل الفلاح

راسم شمس الصباح

راسم شجرة تفاح

في جناين الإصلاح

راسم تمساح بألف جناح

في دنيا مليانة بالأشباح

لكنها قلبها مرتاح

وساكتة على فعل الأباليس

الدرس انتهى لموا الكراريس

إيه رأيك يا شعب يا عربي

إيه رأيك يا شعب الأحرار

دم الأطفال جايلك يحبي

يقول انتقموا من الأشرار

ويسيل ع الأوراق

يتهجى الأسماء

ويطالب الآباء

بالثأر للأبناء

ويرسم سيف

يهد الزيف

ويلمع لمعة شمس الصيف

في دنيا فيها النور بقى طيف

وساكتة على فعل الأباليس

الدرس انتهى لموا الكراريس

****

حرص الشعب المصري بكل فئاته أن يلتف حول جيشه، سواء بالتبرعات أو عبر المجهود الحربي، أو حتى بالأغاني الوطنية والحماسية لتشد من أزره، فكان لا بد من أن يرد الجيش بكل قوة من خلال حرب الاستنزاف، فيما كان الزعيم جمال عبد الناصر يحضِّر للحرب الكبرى التي يقوم من خلالها باستعادة كل الأراضي المصرية المغتصبة، حيث كانت حرب الاستنزاف تسير في تجاه والتحضير للحرب الكبرى في تجاه مواز، خصوصاً بعد إعادة بناء الجيش من جديد.  

غياب الزعيم

فجأة غيب القدر الرجل الذي ملأ الدنيا‮ بوجوده.. ‬شغل العالم،‮ ‬تحدى الاستعمار العالمي، وألّب عليه شعوب الأرض‮... ‬ورسم صورة جديدة للعرب في العالم تتقدمهم مصر بتاريخها وثقلها الإقليمي والدولي بعدما تحررت وامتلكت مقاديرها‮... ‬وعرفت طريقها للتقدم والتنمية‮، ‬عقب عملية الحراك الاجتماعي الذي قادته ثورة يوليو 1952،‮ ‬ونعم أهل مصر، خصوصاً الغالبية العظمى من الفلاحين والعمال، بحقوق كانت بالنسبة إليهم أوهاماً لا يستطيعون مجرد التفكير فيها‮، وتوافرت لهم الحياة الكريمة‮. ‬ونالوا حقوقهم في العمل‮ ‬والصحة‮ ‬والتعليم‮، وأهم من ذلك كله الشعور بالمواطنة‮. ‬والحق الاجتماعي والفرص المتكافئة في كل شيء‮، لا فضل لمصري على مصري إلا بالعمل،‮ ‬وتحمل المسؤولية‮ ‬وحب الوطن‮.

انخلعت قلوب الجماهير العربية، ‬وتفجرت برؤوسهم الظنون والهواجس وعدم التصديق‮، ‬وإنكار أمور راسخة في وجدانهم عن القضاء والقدر والأعمار التي هي في يد الله‮ وحده. ‬وبمجرد الإعلان العاصف عن رحيل جمال عبد الناصر، انهارت نفوس الجميع. ‬

رحل الزعيم وهو يجاهد في توحيد الصف العربي لتكون له كلمته في المحافل الدولية كافة. عقد مؤتمراً للقمة العربية لإيقاف أحداث «أيلول الأسود»، في المملكة الأردنية في قمة القاهرة بين 26 و28 سبتمبر 1970، وكان آخر ما قام به وداع أمير دولة الكويت صاحب السمو الشيخ صباح سالم الصباح، الذي كان آخر القادة المغادرين للقاهرة، لتداهم الزعيم بعدها نوبة قلبية رحل على إثرها عن هذا العالم، ولم ينهِ بعد عامه الثاني والخمسين، ويخرج أنور السادات نائب رئيس الجمهورية، على شاشة التلفزيون المصري، لينعي الزعيم جمال عبد الناصر إلى الأمة العربية الذي فاضت روحه إلى بارئها في السادسة وخمس عشرة دقيقة من مساء الثامن والعشرين من سبتمبر 1970.

خيم الحزن على الجميع، حزن أوجع القلب، وربما تسبب في جرحه جرحاً غائراً، فلم يكن جمال عبد الناصر مجرد رئيس جمهورية، بل هو الحلم الذي حلمه الجميع، الغني والفقير، البسيط والمثقف والمبدع.

الاكتئاب

شعر الشيخ سيد بعدم القدرة على العمل، الموسيقى تخرج منه حزينة باكية، وهو من تخصص في صنع البهجة ورسم البسمة على الشفاه، فتوقف عن العمل، لا يريد أن تكون موسيقاه حزينة، في الوقت الذي دخل فيه صلاح جاهين في حالة اكتئاب غير عادية، جلس في بيته، مضرباً عن العمل، مضرباً عن الكلام، وأيضاً مضرباً عن الطعام، لا يأكل إلا ما يبقيه حياً، لا يفعل شيئاً سوى الجلوس والتفكير والتأمل في الكون والملكوت، يزوره صديقه الشيخ سيد، يجلسان، يعزف الأخير على العود، يتحدثان في كل شيء، وفي لا شيء. حاول الشيخ سيد أن يخرجه من هذه الحالة، لكنه لم يستطع، ليس لأن حالة صلاح جاهين مستعصية، لكن لأن الشيخ سيد يعيش الحالة نفسها.   

عاشت مصر فترة عصيبة، انتقلت فيها السلطة إلى نائب رئيس الجمهورية محمد أنور السادات، ليصبح هو رئيس الجمهورية، مؤكداً استكمال مسيرة الزعيم الخالد، خصوصاً في مرحلة إعداد الجيش لخوض معركة التحدي والثأر واسترداد الأرض.

مرت عدة أشهر نقص فيها وزن صلاح جاهين بشكل مبالغ فيه ولافت. حتى إنه عندما نظر إلى نفسه في المرآة لم يتعرف إلى نفسه، ما سبب له حالة نفسية سيئة، أصيب على إثرها بالاكتئاب، على رغم أن البعض ، وعلى رأسهم الشيخ سيد، رأى أن خسارة وزنه فيها مكسب كبير له، فإًنه كان يرى عكس ذلك:

= أنا عارف أن دا كويس صحياً... بس أنا مش عارفني يا أبو السيد.

* يعني إيه مش عارفك؟

= ببص في المراية بقول مين دا. دا مش أنا... دا شخص غريب... يمكن شبه. المرحلة اللي إحنا بنعيشها... بس مش شبهي.

* هون على نفسك يا أبو صلاح... يعني انت هاتعرف أكتر من الدكاترة؟

= أيوا... الدكاترة يهمهم المنظر من بره... مش شايفين اللي جوه... واللي جوه دا بتاعي أنا لوحدي... أنا بس اللي عارفة... ويمكن انت كمان تعرفه.

* ايوا يا سيدي أعرفه... هو حد واجع قلبي غيره.

= سلامة قلبك من الوجع يا أبو السيد... بس صحيح قوللي: عبد الحليم حافظ اشتكالي أنك مش عايز تلحن له.. ليه كدا.

* أبداً والله. أنت عارف أنا بحبه أد إيه وكنت أتمنى ألحن له. لكن أنت عارف أن حليم عنده الملحنين بتوعه، كمال الطويل والموجي وبليغ، وهم واخدينه بالتناوب، كل واحد دور، يعني أنا لو أديته لحن مرة يبقى أخدت دور واحد فيهم. ومش بعيد يدعي عليا بشعر راسه.

= بس هو فاهم أن دا موقف منه.

* خالص... كل الحكاية أني مش عايز أخطف لقمة غيري... أنا الحمد لله عندي شغل كتير مش ملاحق عليه... وبعدين يا سيدي مين عارف... مش يمكن يجي اللحن اللي يناديه من غير هو ما يطلب.

مع زيادة نقصان وزن صلاح جاهين، زادت حالته النفسية سوءاً، حتى نصحه الأطباء بعرض نفسه على أطباء نفسيين، فاضطر إلى أن يسافر إلى موسكو في خريف 1971، ليخضع للعلاج النفسي في إحدى المصحات هناك، للتأقلم مع شكله الجديد.

(البقية في الحلقة المقبلة)