• تغليب الرأي السياسي للنواب على الرأي الفني المهني للبنك المركزي

Ad

• يشيع سلوكيات سلبية بين المقترضين في التعامل مع الالتزامات المالية

 شراء القروض سيكون بوابة الشر التي تفتح على الميزانية العامة مجموعة لا حدود لها من المطالب الشعبوية خصوصاً لتجاوز الأزمات السياسية، فالتوافق الحالي المستحدث على القروض جاء بعد تأجيل مجلس الأمة استجواب الوزير الشمالي مما يعطي انطباعا أن أي استجواب أو تصعيد نيابي يمكن أن يتم تجاوزه بمطالب شعبوية أخرى.

على نحو متسارع تصاعدت قضية القروض الاستهلاكية للمواطنين لتأخذ منحى جديداً بعد أن كان المقترح شراء الفوائد ليصبح شراء أصل الدين، وبالتالي سقوط الفائدة ليسدد المواطن بعدها للدولة وفق شروط ميسرة، في ما بات يعرف بـ»صندوق الأسرة».

ومع أن الحكومة دأبت، خصوصاً على لسان وزير المالية مصطفى الشمالي، على تكرار رفضها لأي نموذج لشراء الفوائد أو القروض، وأن الحل الوحيد لديها هو صندوق المعسرين الذي عالج 26 ألف حالة - رغم أن عدد المعسرين لا يتجاوز 10 آلاف حالة - إلا أنها عادت يوم الثلاثاء الماضي لتعلن على لسان الوزير الشمالي عن «تفاهم على أعلى مستوى في ما يتعلق بمشكلة القروض والفوائد عليها»، مما يشير إلى تراجع حكومي عن قضية كانت حتى قبل أسابيع قليلة تقف ضدها تماماً.

ورغم أن تفاصيل شراء القروض لم تكتمل حتى الآن في انتظار لجنة فنية قانونية مشتركة من الحكومة والمجلس لتعرض تصورها في اجتماع اللجنة المالية يوم الأحد المقبل حسبما صرح الوزير الشمالي إلا أن تراجع الحكومة عن موقفها السابق الرافض لأي حل خارج صندوق المعسرين يتضمن مجموعة من المخاطر أقلها الكلفة المالية التي قد تصل، حسب تصريح النائب أحمد لاري، إلى 900 مليون دينار, يمكن تلخيصها على النحو التالي:

• الموافقة على شراء القروض يعني تغليب الرأي السياسي على الرأي الفني المهني إذ لا يزال بنك الكويت المركزي بصفته الرقابية والإشرافية رافضاً شراء القروض، وفقاً لما يراه من مخاطر على القطاع المصرفي والاقتصاد المحلي.

• شراء القروض سينتج عنه سلوك (اجتماعي - اقتصادي) جديد في التعامل مع مختلف الالتزامات المالية, فشراء القروض يعتبر مكافأة للمقترض على حساب غير المقترض وأيضا مكافأة لغير الملتزم بسداد القرض على حساب من التزم بالسداد، وربما ينشأ وفقاً لهذه العملية نمط جديد انتقامي -ممن لم يستفيدوا من شراء القروض- من ناحيتي الاقتراض وعدم السداد، ما يدخل البلد في أزمة اقتراض نظامية حقيقية وليست مفتعلة كالحالية، إذ لا تتعدى نسبة المتعثرين من المقترضين نحو 1.8 في المئة وهي نسبة محدودة إذا ما قورنت بالمستويات العالمية للتعثر والتي تبلغ بالمتوسط 5 في المئة.

• شراء القروض سيكون بوابة الشر التي تفتح على الميزانية العامة مجموعة لا حدود لها من المطالب الشعبوية خصوصاً لتجاوز الأزمات السياسية ومنها بالطبع الاستجوابات, فالتوافق الحالي المستحدث على القروض جاء بعد تأجيل مجلس الأمة لاستجواب الوزير الشمالي مما يعطي انطباعاً أن أي استجواب أو تصعيد نيابي يمكن أن يتم تجاوزه بمطالب شعبوية أخرى كزيادات القرض الإسكاني وبدل الإيجار والعلاوة الاجتماعية وعلاوة الأولاد وغيرها كثير... فمادام النواب قد عرفوا آلية الضغط على الحكومة فإنهم سيلجأون إليه مراراً لكسب المزيد من الشعبية على حساب الميزانية.

• ما تم إقراره مبدئياً في اللجنة المالية ينتهك أبسط معايير العدالة بين المواطنين، فلا يمكن فهم كيف تتحقق العدالة مع 3 أشخاص؛ فائدة قرض الأول تبلغ 30 ألف دينار وفائدة قرض الثاني 5 آلاف دينار، والثالث غير مقترض ربما يحصل على ألف دينار منحة أو لا يحصل. فمن حيث المبدأ تمنح الدولة في هذه الحالة شخصاً أكثر من الآخر، فضلاً عن أنها تكافئ من أثقل كاهله بالاقتراض وتعاقب من كيّف حياته على وضعه المالي فلم يستدن، وهنا تقدم الدولة نموذجاً لتشجيع النمط الاستهلاكي على حساب ثقافة الادخار.

• اقتراح شراء القروض سيرفع مستوى التضخم، وبالتالي غلاء الأسعار، لأن الأرقام الأخيرة تفيد بأن معدل التضخم في الكويت ارتفع بنسبة 4 في المئة عام 2012 مقارنة بعام 2010، حيث لعبت الزيادات المالية والمنح دوراً أساسياً في ارتفاع مستويات الأسعار، لاسيما في ما يتعلق بالمواد الغذائية ثم السكن فالخدمات الصحية والتعليمية... الأمر الذي يجعل التساؤل مشروعاً: هل فكر مقدمو الاقتراح في الآثار السلبية التي يمكن أن تنعكس على التضخم في حال إسقاط القروض وزيادة مستويات السيولة بين المواطنين؟

• ثمة إشكالية تواجهها اللجنة المالية تتمثل في مقترضي البنوك الإسلامية فهي تقرض عملاءها على قاعدة البيع والشراء، وما يسمى بالمرابحة، ومن ثم فإن التعامل مع «عوائد» المرابحة على أنها فوائد تمويلية سيسبب مشاكل كثيرة، ففي البنوك الإسلامية يختلط أصل الدين بالمرابحة لأنه ناتج عن عملية تجارية بحتة، وليس عبر قرض (مال مقابل مال).

فمثلاً لو أن شخصاً أراد الحصول على تمويل إسلامي وذهب إلى البنك لشراء صفقة أسمنت بقيمة 15 ألف دينار ثم يبيعها خلال ساعات بـ12 ألف دينار يكون قد خسر في هذه الصفقة 3 آلاف دينار (هي قيمة المرابحة للبنك الإسلامي)، وهذه لا يمكن قانوناً معاملتها بمعاملة القرض في البنك التقليدي، لأنها صفقة بيع وشراء بين طرفين.

وحسب المعلومات الأولية المتوافرة فإن الاتجاه العام للجنة المالية البرلمانية هو عدم شراء قروض عملاء البنوك الإسلامية، وهو ما ستحسمه اللجنة لاحقاً وبشكل نهائي بعد تجاوز إشكالية (الفائدة - المرابحة).

• دخول الحكومة على خط الموافقة على شراء القروض يعني أن كل ما تتحدث فيه عن ضبط الهدر وترشيد الإنفاق وإعادة هيكلة الميزانية والمخاوف من تراجع أسعار النفط وتراجع الفوائض وغيرها كثير من الخطاب الحكومي هو خطاب لا قيمة له, فلا يعقل أن تسعى أي حكومة في العالم إلى إعادة هيكلة نفقاتها المنفلتة أصلاً، وفي نفس الوقت توافق على شراء القروض... فهذا تناقض يصعب تبريره.

• على الأرجح أن الحكومة تريد أن تمارس لعبتها القديمة في شراء الولاء السياسي عبر الأموال العامة وتغليب مشروع الحكم على حساب مشروع الدولة من خلال سبغ إنجاز شعبوي لمصلحة مجلس الأمة الحالي, فملف القروض قديم، ولم تبد الحكومة موافقة عليه إلا مع مجلس الأمة الحالي مما يشير إلى وجود هدف سياسي من وراء الموافقة على شراء القروض.