تجاوز موريس نادو المئة بعامين، وكان شاهداً على تحولات الثقافة الفرنسية والعالمية من زمن التيارات والموجات الأدبية إلى زمن طوفان الفايسبوك ومواقع التواصل الاجتماعي، كان موسوعياً في ثقافته واسمه محوريّاً، ويبدو كمروحة ثقافية تجمع الكثير حولها.

Ad

ناقد وناشر

إضافة إلى نتاجه الأدبي، كان موريس نادو ناقداً صحافياً وناشراً، شارك في تأسيس مجلة (Combat) مع باسكال بيا، اكتشف مواهب عدة ونشر لكتّاب أمثال مالكولم لاوري، لورانس دوريك، اتشن جورد بيرتين، ميشال هولبيك.

 ألف كتباً عدة، من ضمنها: «هذا الأدب» (1952)، «الرواية الفرنسية منذ الحرب» (1963)، «تاريخ السريالية» (1964). بمعنى آخر كان نادو ماسكاً بزمام الثقافة من زواياها المختلفة وجوانبها، وأعطى «هالة» خاصة للنشر الثقافي في وقت بدأ يغلب على هذه المهنة منطق السوق والناشر الذي لا يفقه بالكتب ولا يقرأ مضمونها.

خدمة الكتاب

ولد نادو في 21 مايو (أيار) 1911، وابتدأ مدرساً قبل أن ينسحب من التعليم وينطلق في مغامرة النشر والكتابة واكتشاف المواهب. يرتبط اسمه لدى الكثير من القراء الفرنسيين برواية «توسيع مجال الكفاح» لميشال هولبيك الصادرة عام 1993. أما بالنسبة إلى القراء المخضرمين، فيرتبط اسم الرجل ودار النشر التي يملكها وتحمل اسمه، بأقلام كبيرة كألبير كامو وباسكال بيا، وبمجلة «معركة» التي كتب فيها بين  عامي 1945 و1950  ثم مجلة Express، لكن نادو بالنسبة إلى آخرين هو 15 عاماً من الإبداع في عالم الأدب و45 عاماً في خدمة الكتب، ساهم من خلالها بنشر آلاف العناوين.

نشرت دار «بول فلامون» أول كتاب لموريس نادو  عام 1945  وكان عنوانه «تاريخ السريالية»، بعد ذلك، مباشرة،  التزم نادو بتفعيل الصفحة الأدبية في مجلة «معركة»... تسارعت الأمور بشكل كبير في تلك الفترة، فاقتحم موريس عالم الطباعة ونشر أول شهادة عن عالم التأمل لديفيد روست عنوانها «أيام وفاتنا».

كان نادو يقرأ أكثر مما يقوم بأي أمر آخر، وبسبب اهتمامه بهذا المجال، سعى، حين كان في الثلاثين من عمره، إلى شراء مجلة «العمل» الفرنسية والتقى «بابا السريالية» اندريه بروتون ووثق علاقته بالروائي بنجامين بيري.

أسهم نادو في التعريف بكثير من الكتاب الأجانب في فرنسا من بينهم المفكر الألماني والتر بنيامين، لكنه يعترف بأن نشر أعمال هذا العملاق، كذلك آخرين على غرار أرنولد شميدت وغومبروفيتش ولورنس داريل الذي نشر له بإيعاز شخصي من الروائي الأميركي هنري ميلر... سبب له كوارث مالية لصعوبة تسويق هذا النوع من الكتب.

في منتصف ستينيات القرن الماضي اكتشف موريس نادو الروائي جورج بيرك الذي لم يكن أحد يؤمن بموهبته، ثم الكاتب الإيطالي ليوناردو سياسيا الذي نشر له عشرات الروايات من بينها {مجلس مصر}، وكان  أحد الأوائل الذين كتبوا عن صموئيل بيكيت فى فرنسا، وعرض معظم أعماله.

يعيب النقاد على موريس نادو عدم اهتمامه كناشر وصاحب دار نشر، بأدب أميركا الجنوبية وبالأدب النسائي، وبإطلاقه أحكاماً قاسية على أدباء اليوم، كوصفه ميشال هولبيك بـ{كاتب الموضة} وهو الذي رافقه منذ بداياته وتردد في نشر أول رواية له، لكنه نجح في النهاية وتمكن من الظفر قبل عام بجائزة {غونكور} الأدبية.

يذكر أن نادو كان صديق الروائي هنري ميلر، وقدمه  للجمهور الفرنسي من خلال نشر روايته الضخمة  «مدار السرطان»، وقد ناضل في هذا الإطار ضد الرقابة التي حاولت منع الكتاب، فلقبه ميلر بـ  «العبقري الطيب».