«نوفيلا» باسمة العنزي

نشر في 12-05-2013
آخر تحديث 12-05-2013 | 00:01
 ناصر الظفيري المشهد المبشر الذي تعيشه الحركة الأدبية في الكويت هذه السنوات يدعو إلى كثير من البهجة، وهو حراك أدبي دخل مخاضات عسيرة لينتج لنا أعمالا تستحق الاحترام والتوقف عندها بذات الجدية التي عمل من خلالها الزملاء حاملو هذه الأمانة الثقيلة. والكتابة السردية هي أهم عناصر الثقافة اليوم تتربع فيه الرواية على قمة المنتج الأدبي الذاتي. وبامكاننا اليوم أن نقول على غرار ما قيل في المسرح: "لكي تتعرف على شعب ما اقرأ روايته". نعم نحتاج الى الكثير لاكمال هذا المنتج الجميل ولكننا أكثر تفاؤلا اليوم بأننا قادرون على ذلك.

باسمة العنزي تتحرك أدبيا بهدوء وثقة وهي تنتقل من القصة القصيرة التى كتبتها بالدهشة التى يستحقها هذا الفن الصعب الى الرواية القصيرة أو ما يعرف بالنوفيلا في تجربة كتابية أنيقة وحداثية مضمونا وصياغة. في المساحة المحدودة التي تسمح بها كتابة الرواية القصيرة، قدمت باسمة العنزي شخصياتها باتقان رغم التباين الكبير في الحالة الاجتماعية والمادية بين هذه الشخصيات وموقعها الوظيفي.

ما يحدث في المؤسسة لا ينقلنا الى ما هو خارجها، فالمكان تم تأطيره بدقة ليشكل المكان موضوعا مستقلا هو أهم عناصر الرواية. وفي المكان تحديدا كان الموضوع جديدا على النص الكويتي في دخول المؤسسة الخاصة كمؤثر اجتماعي لم نتطرق اليه كثيرا في أعمالنا الأدبية التى تركزت في أمكنتها على العالم الماضوي وتواصله مع الحاضر. وربما لأن الحياة الاجتماعية في الكويت ارتطبت كثيرا في الرواية الكويتية بالانتقال بين عالمين قديم وحديث لا يفصلهما أكثر من نصف قرن وهو زمن قصير لحتمية انفصالهما.

ثلاث شخصيات رئيسية تناوبت على الفعل الروائي منتقاة من المجتمع الكويتي بتركيبته "الموزاييك" التي لم تنجح في التلاحم الحقيقي لتشكيل "منطقة الانصهار" بين مكونات هذا المجتمع. هذا التلاحم الذي يرفضه المجتمع في الدفاع المادي عن مكتسباته الآنية. البدون مهدي الذي يمارس أدورا خيالية لا تتعدى أحلامه في اقتناص أمواج المرأة التي لا يستطيع راتبه أن يشتري لها كمالية واحدة من كمالياتها. وهو في تفاعله الحالم يردد مقطوعات غنائية تحيلنا لثقافته كعامل أمن في المؤسسة يرى ما يريد وتتضاءل قدرته في الحصول عليه بقدر ما يتسع حلمه المستحيل. أمواج التي تمتلك القدرة الوظيفية على رسم مصائر الموظفين وتحديد من يبقى ومن يرحل بناء على رغبات شخصانية بعيدا عن القدرات الوظيفية. جهاد الفلسطينية التي عاشت حياتها منذ ولادتها في الكويت وأكثر الموظفين اخلاصا لعملها وأقلهم قدرة على مواجهة التغيرات التى تواجهها كابنة جالية كانت مثارا للجدل حول موقف سابق لأحداث عام 1990.

والشخصيات البرجية متمثلة بالدكتور فايز وأبي طارق كهرمي المؤسسة العملاقة واهتمامها الشخصي بعالم المال بعيدا عن المشاعر.

التركيز العالي للنص الروائي في رسم شخصيات متباينة ورسمها من خلال المؤسسة دون الدخول كثيرا في الاسهاب الممل منحت القارئ فرصة لرسم أبعاد الشخصيات الاجتماعي وفرصة التفكير في سلوكها النمطي من خلال المعرفة السابقة والمتوقعة لظروف كل شخصية. فلا تحتاج شخصية كزيد المتملق مثلا لرسم ملامحها بكثير من الحشو ولا الخروج بعيدا عن المؤسسة لمعرفة ممارساته التى جعلته يحافظ على حظوظ دائمة دون جهد يحتاجه الآخرون للبقاء في مواقعهم. حتى حادثة جهاد الأخيرة كانت أمام سور المؤسسة تاركة التأويل مفتوحا لكل قارئ.

"حذاء أسود على الرصيف" تجربة موفقة عالية الاتقان تفتح بابا جديدا للسرد الكويتي والخليجي للدخول في عالم لا نعرف الكثير عن تفاصيله، محاولة جادة وجرئية لكشف ما وراء واجهات الزجاج الزرقاء.

back to top