لا يمكن تصور أي حل لمواجهة الضغط الشبابي المتزايد على خدمات الدولة وفق الآليات الحالية، فما نحتاج إليه في المستقبل القريب هو نمط حياة وإدارة يختلف تماماً عما نعيشه اليوم، من خلال بناء مدن جديدة تختلف عن الحالية، لا من حيث التنظيم فقط بل حتى من جهة بيئة الأعمال.

Ad

خلال الأسبوعين الماضيين برزت 3 صور تبين ارتفاع درجة تعثر الدولة في تقديم خدماتها، ليغدو ذلك حالة متنامية خلال السنوات العشر الأخيرة، لاسيما أن 70% من الكويتيين في معدل عمر 30 سنة فما دون.

الصورة الأولى تجسدت في اكتظاظ مروري شلّ معظم الطرق الرئيسية في البلاد، والصورة الثانية تمثلت في تكديس أكبر عدد ممكن من خريجي التعليم العام في الجامعة والتطبيقي، أما الثالثة فبرزت في تصدُّر الأزمة الاسكانية واجهة المشكلات الخدمية التي يعانيها جيل الشباب، مع توقع مزيد من التعثر في خدمات الدولة كلما ولج عدد أكبر من الشباب في خدمات الدولة عاماً تلو الآخر.

فالشباب الذين دخلوا الى التعليم الجامعي (الحكومي او الخاص) او «التطبيقي» هذا العام، بما يوازي 23 الف طالب، ضغطوا مباشرة على خدمتي التعليم العالي والمرور، مما سبب تكدسا في هاتين الخدمتين، وهم أنفسهم سيضغطون خلال سنوات قليلة على خدمات اخرى كالعمل والسكن، وبالتالي فإن كل المؤشرات تشير الى ان الاستمرار في الآليات الحالية سيؤدي خلال سنوات قليلة الى ان الخدمات التي يصعب تقديمها حاليا سيستحيل تقديمها مستقبلا.

ما الحل؟

ولا يمكن تصور اي حل لمواجهة الضغط الشبابي المتزايد على خدمات الدولة وفق الآليات الحالية، فما نحتاجه في المستقبل القريب هو نمط حياة وإدارة يختلف تماما عما نعيشه اليوم، من خلال بناء مدن جديدة تختلف عن المدن الحالية، لا من حيث التنظيم فقط بل حتى بيئة الاعمال، فعندما نطّلع على بعض الأرقام في التعليم العالي والعام تتكشف لنا جوانب غير مرئية من حجم المشكلة المستقبلية، خصوصا اذا قارنا ارقام اليوم بأرقام ما بعد تحرير الكويت قبل 23 عاما.

فجامعة الكويت التي كانت في العام الجامعي 91-92 تضم 16 الف طالب، باتت اليوم مزدحمة بـ 38 الفا، اما التعليم التطبيقي الذي كان يستوعب 26 الف طالب، فاليوم يضم 58 الفا، وفي عام 91-92 لم تكن في الكويت جامعات خاصة، الا ان هذه الجامعات تضم اليوم 20 الف طالب، فضلاً عن حوالي 27 الفا في البعثات الخارجية، والتي لم يتجاوز عدد منتسبيها، بعد التحرير 3 آلاف طالب.

كما أن منتسبي التعليم العام قفزوا بنسب كبيرة خلال نفس الفترة، اذ بلغوا في بداية العام الدراسي الحالي 390 الف طالب، بينما لم يتجاوز عددهم بعد التحرير 118 ألف طالب.

نمو السكان

هذه الأرقام، كشريحة مجتمعية، توضح لنا حجم النمو القوي للسكان في الكويت خصوصا في الفئات العمرية دون 24 عاما، مما يهدد الجودة النسبية لمجمل الخدمات التي تقدمها الدولة، وليس ادل على ذلك من تراجع مستوى التعليم العام منذ ما بعد التحرير حتى اليوم، فضغط العدد لعب دورا سلبيا بدرجة كبيرة على عدد المعلمين والطاقة الاستيعابية للفصل وغيرهما من الأمور الخاصة بالعملية التعليمية.

وبالطبع فإن الضغط على التعليم الجامعي سيتبعه ضغط اكبر على سوق العمل، فحاليا توظف الدولة سنويا حوالي 20 الف موظف جديد، في حين ستحتاج الى نحو 70 الف فرصة عمل عام 2030 وما بعدها، مما يستلزم تغيير فلسفة العمل لصالح تطوير عمل المشروعات الصغيرة والمتوسطة، والتي أقرت بقانون وشكل مجلس ادارتها مؤخرا، الا انها لم تعلن حتى الآن عن خططها للتمويل وتطوير الاراضي الخاصة بالصناعة او التجارة وآليات المنافسة، فلا فائدة من اطلاق المشروعات الصغيرة والمتوسطة ما لم تستوعب اكبر عدد ممكن من الراغبين في العمل الخاص.

الأزمة والعمل

حتى الآن لا توجد ازمة بطالة في المجتمع الكويتي، الا ان الأرقام المستقبلية تشير الى ان الطلب على العمل سيتنامى بشكل سريع سنويا، وهو امر خطير جداً في ظل احتلال الرواتب والأجور، فضلا عن الدعم، ما يوازي 72% من الميزانية، ناهيك عن خطورة الاعتماد على مصدر احادي متذبذب السعر كالنفط.

هناك حلول فنية كثيرة ومتنوعة لأي مشكلة نواجهها اليوم من تعليم او اسكان او طرق او عمل، وهي كلها حلول ليس فيها اي اختراع للعجلة، اذ إنها جميعا موجودة لدى الحكومة وأجهزتها الفنية، وبالتالي كل ما يمكن ان يتم الحديث عنه هذه الايام، من مدن وطرق وجامعات وفرص عمل وغيرها من التفاصيل، لا يحتاج الى اكثر من ادارة جادة في التنفيذ تضع البرنامج الزمني المحدد لإنجاز الاهداف المرحلية وتبسيط الاجراءات المعقدة التي تعوق تنفيذ الخطط مع محاسبة المقصرين سياسيا وتنفيذيا.

الكويت وسنغافورة

وصحيح ان الأزمة باتت متزايدة، الا ان حلها ليس مستحيلا، فعندما نقارن أنفسنا بدولة مثل سنغافورة -عديمة الموارد- مساحتها اصغر من جزيرة بوبيان، وتضم نحو 5.3 ملايين نسمة، ومع ذلك فهي من افضل دول العالم تغلباً على التحديات والمشكلات التي تواجهها لا سيما في قطاعات العمل والتعليم والخدمات العامة، فسنعرف ان الكويت يمكنها حل اي ازمة تواجهها، فقط اذا أحسنت الإدارة.