أفلام عن جرائم «الإخوان»... واجب أم استباق للأحداث؟
يعكف صانعو السينما على تحضير أفلام وثائقية وروائية ترصد جرائم جماعة «الإخوان المسلمين» في الشارع المصري وتهدف إلى توضيح ما ارتكبه هذا الفصيل من فساد في البلد منذ تولي ممثله محمد مرسي حكم مصر حتى بداية انتهاء عصره بدخول بعض رموزه السجون.
يختلف النقاد والمعنيون بالشأن السينمائي حول ظاهرة صناعة أفلام تتناول فساد جماعة الإخوان، ففيما يشجع البعض إنتاج أفلام توثق هذه الحقبة وإبراز عنف ما ارتكبه الإخوان بحق أهل مصر، يرى البعض الآخر ضرورة الانتظار كي لا يستبق الأحداث.«جرائم الإخوان» للمخرج خالد يوسف في مقدمة هذه الأفلام الوثائقية، وقد أوشك على الانتهاء منه، وسيعرض في دول عدة، وفي المراكز الحقوقية والثقافية بعد ترجمته إلى لغات أجنبية.
يوضح يوسف في حديث إلى «الجريدة» أنه يحاول استخدام موهبته في نقل رسالة الشعب المصري إلى أنحاء العالم من خلال إظهار عنف جماعة «الإخوان» الإرهابية، وعرض جرائمها، منذ تولي محمد مرسي الحكم وحتى الآن، في مقدّمها مجزرة رفح.يضيف: «أهدف من خلال الفيلم إلى الحفاظ على الذاكرة المصرية عبر عرض توثيق حقيقي بالصوت والصورة للأحداث، وعدم ترك فرصة للإخوان لتزييف التاريخ، مثلما تآمروا بتنظيمات مسلحة على ثورة 23 يوليو 1952، وبالتالي كان من الطبيعي التصدي لهم وإدخالهم السجون، وبحيلتهم انتهزوا هذه الفرصة للترويج بأنهم مظلومون في حين أنهم سعوا إلى السُلطة باستخدام السلاح. كذلك أهدف إلى مواجهة الدول التي تسعى إلى عودة عهد الإخوان».ثورة شعب مش انقلابتنكب نقابة السينمائيين على إنتاج فيلم وثائقي بعنوان «ثورة شعب مش انقلاب»، توثق من خلاله جرائم الإخوان. حول الفيلم يقول نقيب السينمائيين المصريين مسعد فودة: «اخترنا عنواناً بسيطاً بالعربية الفصحى ليكون سهلاً ومعبراً عن موضوعه؛ فالعناوين المباشرة أفضل في توصيل فكرة الفيلم الذي سينتهي المخرج سميح فهمي والمونتيرة رشا مهدي من إعداده خلال أيام، وتبلغ مدته 60 دقيقة، وسيُترجَم إلى لغات عدة بالتعاون مع الهيئة العامة للاستعلامات، على أن يعرض في الدول كافة من خلال المفوضية الأوروبية العربية، وسيُنظّم مؤتمر عالمي يحضره فنانون من بينهم: خالد الصاوي، ليلى علوي، يسرا، آسر ياسين، محمود قابيل، حسين فهمي».يضيف فودة أن «الفيلم يتناول الأحداث التي أدت إلى ثورة 30 يونيو وبعدها، من خلال رصد المواقف السلبية، والجرائم التي شاهدها الشعب في المحطات الفضائية ولم تعرضها «الجزيرة»، هذه القناة التي تهتم بعرض العكس لتبدو الصورة أنها انقلاب، وأن الجيش المصري يقتل المواطنين من دون إظهار حقيقة الأمور، ما أدى إلى حالة احتقان في الشارع». مشيراً إلى أن الفيلم يبعث رسالة إلى هذه الجماعة مفادها أن «إرادة الشعب هي التي أتت بكم إلى السُلطة وهي أيضاً التي طالبتكم بالرحيل ليأتي آخرون نرى معهم المستقبل».يؤكد أن النقابة تحضّر أفلاماً وثائقية أخرى لجرائم الإخوان، يعرض كل واحد منها فترة معينة وفقاً للتسلسل التاريخي للأحداث، بداية من اعتصام المثقفين في وزارة الثقافة حتى الآن، مشيراً إلى أن على المثقفين والعاملين في مجال الفن وكذلك النقابات المهنية والفنية واجباً وطنياً ببذل قدراتهم لإظهار حقيقة الإخوان، وإلقاء الضوء على أخطاء هذه الجماعة بحق البلد.يتولى المهندس والناشط السياسي ممدوح حمزة بالتعاون مع مدير التصوير رمسيس مرزوق إخراج فيلم وثائقي مدته 14 دقيقة، مترجم إلى خمس لغات لأنه موجه إلى الغرب، يوضح عنف جماعة «الإخوان» من خلال جرائم التعذيب التي ارتكبتها منذ 30 يونيو، لا سيما أحداث دار الحرس الجمهوري، والنصب التذكاري، وفض اعتصامي رابعة العدوية ونهضة مصر، إلى جانب حرق أقسام الشرطة والكنائس. عدم استباق الأحداثيفضّل السيناريست بشير الديك متابعة المشهد السياسي، والانتظار منعاً لاستباق الأحداث، وحتى تهدأ الأوضاع وتتبين ملابسات الأمور ليستطيع تقييم التجربة ككل وكتابة فيلمه الروائي المؤجل عن الإخوان بشكل منصف للأطراف كافة.يقول: «ما يحدث الآن شديد الحدة والسخونة، ثمة دماء أهدرت لأسباب كثيرة، لذا أرى ضرورة تأجيل تناول هذه الظاهرة لأن وطننا متألم وعلينا أن نتابع إلى أين سيذهب بنا».يضيف: «مسموح في الوقت الحالي التحدث عن انعدام الحرية في ظل حكم الإخوان، وديكتاتوريتهم التي كانوا يعتبرونها ديمقراطية، وغيرها من صفات حكمهم، ولكن تناول أحداث بعينها وبيان أسبابها وتداعياتها فهو أمر صعب للغاية، ولعل هذا الانتظار يضمن أنه إذا عرض هذا الفيلم في السنوات المقبلة فسيكون توثيقاً لمرحلة بأكملها وليس مجرد عمل آني للأحداث.بدورها ترفض الناقدة حنان شومان تقديم أفلام روائية عن هذه الحقبة التاريخية وتفضّل انتظار انتهائها لتكون موضوعية وغير ركيكة في ما يخص التوثيق، واستدلت على حديثها بالأفلام الخمسة التي انتجت فور انتهاء ثورة أكتوبر 1973 وسقطت جميعها في دائرة النسيان، لأنها لا تتجاوز كونها إخبارية، كذلك الأعمال الفنية التي تناولت ثورة 25 يناير ضمن أحداثها، فظهرت كأنها مقحمة داخلها لأن المشاهد لم يتقبلها كونه ما زال يعيش الحدث.تضيف: «في السينما الأميركية قدّمت أعظم الأفلام التي تناولت مأساة فيتنام بعد مرور 15 عاماً من وقوعها، كذلك الحال بالنسبة إلى الغزو الأميركي للعراق، إذ عرضت أفلام روائية وتسجيلية حوله بعد 10 سنوات، وفي هذا إنصاف للجميع».تطالب شومان المركز القومي للسينما بدفع المخرجين الشباب الذين ينتمون إليه إلى تقديم أفلام وثائقية، ومنح صانعيها فرصاً إنتاجية قوية، لأنهم يعانون منذ سنوات ضعف الموارد المالية، وتتابع: «من دواعي سروري أن يتصدى مخرج بحجم خالد يوسف ومخرجون من أجيال أخرى لتوثيق هذه الفترة لأن الأعمال الوثائقية تشكل جزءاً من ذاكرة الأمم، ولكن في مصر لا ندرك قيمتها».تلاحظ أن الأفلام المعروضة تعبر عن وجهة نظر صاحبها؛ فقد يرصد مخرج إخواني هذه الفترة بحسب رؤيته الخاصة ويبين إلى أي مدى كان مرسي حكيماً في قراراته، وفي المقابل قد يصوّره خالد يوسف على أنه خائن.تقترح شومان ألا يقتصر التوثيق على محافظتي القاهرة والإسكندرية، بل يشمل محافظات مصر لأن هذه الجرائم تمت في ربوع الوطن، وأن يهتم المبدع المشرف على الفيلم بعرض اللقطات التي لم يشاهدها المواطن المصري على الفضائيات، وإذا تكاملت هذه العناصر في الفيلم الوثائقي، فقد يُستعان به كمادة فيلمية في البرامج الحوارية.