من المنطقي تأمين الحماية للحي المالي، وضمان ألا يتعرض المساهمون البريطانيون للاستغلال من قبل أصحاب المال وأهل الخاصة في الأسواق الناشئة، لكن القواعد معرضة لخطر التمادي فوق الحد.

Ad

حين يزور ديفيد كاميرون كازاخستان في الأسبوع المقبل، لتوسيع الروابط التجارية مع هذا البلد الواسع في آسيا الوسطى، ربما يفكر رئيس الوزراء البريطاني في قضية حديثة في مجال الأعمال تتمثل في أن شركة الموارد الطبيعية اليوراسية، وهي الشركة الكازاخية التي لطخت سمعة الحي المالي في لندن، تريد أن تصبح شركة خاصة مرة أخرى، ما أثار غضب المساهمين وسط تحقيق يجريه مكتب التحايل الخطير في بريطانيا.

واندحار شركة الموارد اليوراسية والسلوك المشبوه لشركات أخرى، مثل بومي، بعد جهود نات روتشيلد المتسرعة لجمع شركة تعدين إندونيسية مع شركة بريطانية مدرجة في البورصة، جعل لندن تعاني من أجل استعادة صدقيتها. وهناك قواعد إدراج جديدة ستصدر الشهر المقبل لمنع استغلال المستثمرين في الحي المالي بالطريقة نفسها مرة ثانية.

تقاليد لندن

ومن المنطقي تأمين الحماية للحي المالي، وضمان ألا يتعرض المساهمون البريطانيون للاستغلال من قبل أصحاب المال وأهل الخاصة في الأسواق الناشئة. لكن القواعد معرضة لخطر التمادي فوق الحد، حيث تعامِل كل شركة – بريطانية أو أجنبية – لديها مساهم رئيس على أنها مصدر خطر على المساهمين الآخرين. ويمكن لهذا أن يضر بتقاليد لندن دون أن يحل المشكلة الفعلية.

والمشكلة واضحة وأدت إلى مراجعة مثيرة للجدل لقواعد الإدراج، حيث وضعت المستثمرين المؤسسين في خندق في مواجهة البنوك وشركات المحاماة التي تكسب المال من إحضار الشركات إلى السوق. وكانت لندن تواقة للغاية لاجتذاب شركات الأسواق الناشئة في أثناء طفرة السلع إلى درجة أن السلطات تجاهلت واقع الكيفية التي تدار بها أعداد كبيرة من هذه الشركات.

والمقربون من أهل الحكم في البلدان ذات الموارد وجدوا في لندن مكاناً مناسباً لجمع رأس المال وثرواتهم الخاصة، من خلال اكتساب إدراج ذائع الصيت والدخول في مؤشري فايننشال تايمز 100 و250. ومقابل تكلفة الإدراج حصلوا على الصدقية التي كانوا يفتقرون إليها في بلادهم، واستطاعوا بشكل فعال إكراه صناديق المؤشرات على قبولهم. لكن عدداً منهم لم يكن يرغب أبداً في الوفاء بالمعايير البريطانية للشفافية والإدارة الرشيدة.

ويقول جوليان فرانكس، المدير الأكاديمي لمركز الإدارة الرشيدة للشركات في كلية لندن للأعمال: «كانت الفكرة هي أخذ الأصول من أسواق ذات ضوابط إدارية سيئة وتحويلها بصورة ما عن طريق وضع مجالس للإدارة ذات سمعة حسنة لتتولى إدارة الشركة، لكن هذا كان وهماً».

وتريد سلطة الإدراج البريطانية الآن معايير أكثر تشدداً لإدراج شركات الدرجة الأولى، من النوع الذي يسمح للشركات المدرجة بالدخول في المؤشرات ذات الأهمية الفائقة. وأحد المعايير الذي كان يجب أن يكون موجوداً منذ زمن طويل هو الالتزام بالشرط القاضي بأن تكون نسبة 25 في المئة على الأقل من أسهم الشركة في حوزة مستثمرين آخرين. وفي الماضي تم الإعفاء من هذه النسبة بسهولة فوق الحد، بما في ذلك شركة الموارد اليوراسية.

وتكمن الصعوبة في المجموعة الثانية من المقترحات التي تهدف إلى تعزيز الإدارة الرشيدة للشركات وضمان ألا يتمكن «المساهم المسيطر» الذي يمتلك 30 في المئة على الأقل من الأسهم، من الهيمنة على مجلس الإدارة. وللمرة الأولى، سيتغير التقليد المتبع «التزم أو فسر» في قواعد إدارة الشركات البريطانية، بحيث يجعل جميع الشركات تسير على مبدأ «التزم».

فرض نظام للتصويت

وعلى وجه الخصوص، تريد السلطة فرض نظام للتصويت المزدوج لانتخابات أعضاء مجلس الإدارة. وسيصوت المساهمون ككل على تعيينات المجلس، لكن مستثمري الأقلية سيكون لهم تصويتهم الخاص، بحيث يحتاج أعضاء المجلس إلى تكليف مجموعتي المصوتين.

ومؤسسات الحي المالي، خصوصاً صناديق التقاعد وشركات التأمين، ترغب في وقاية من الجماعات المقربة من أهل السلطة التي يسيطر أفرادها على مجالس الإدارة لأغراضهم الخاصة.

لكن الفكرة غير ديمقراطية بصورة غريبة، وتفترض الأسوأ من كل مساهم كبير. وحتى صاحب أفضل النوايا ولديه سجل قوي في إنشاء شركة أخلاقية عليه أن يتخلى عن التأثير في المجلس لصالح مساهمي الأقلية.

وطالما كانت الشركة تدار بنزاهة واستقامة، وكان مجلس الإدارة يدقق في شؤونها المالية على نحو سليم، فليس هناك ما يمنع اختيار مساهمي الأقلية التماشي مع مؤسس للشركة يكون مساهماً مسيطراً ويدير الشركة، بشرط أن تكون المخاطر واضحة.

وكنتُ سأعترض بشكل أقوى لو أن «المساهم المسيطر» لم يكتسب هذا الحق وإنما سيطر فقط على حقوق التصويت – وهي ممارسة غير ديمقراطية مسموح بها في الولايات المتحدة، لكن ليس في الحي المالي في لندن. وإذا كانت الأصوات متكافئة، ولم يكن هناك أي تزوير، فلندع الأغلبية تقرر. وتحديات لندن ليست فريدة، ومعاييرها تعتبر عالية نسبياً. فالأسهم التي تعطي صاحبها تصويتاً فائقاً ليست منتشرة في الولايات المتحدة فحسب، بل يتم استغلالها من قبل مؤسسي شركات التكنولوجيا، مثل مارك زوكربيرج مؤسس «فيسبوك»، لكنهم يحتاجون إلى إدراج 10 في المئة فقط من الأسهم.

وتعرضت بورصة ناسداك إلى مشاكل، حيث يحاول عدد كبير من الشركات الصينية الـ800 المدرجة فيها التحول إلى شركات خاصة بعد أن تضررت بموجة من عمليات بيع على المكشوف. والولايات المتحدة أكثر تسامحاً من بريطانيا حول الإدارة الرشيدة، بشرط أن يلتزم التنفيذيون بحدود معينة. وحقيقة أن شركات الأسواق الناشئة متقلبة، وأن المستثمرين غالباً ما يعانون خسائر ليست مشكلة في حد ذاتها. فقد شهدتها لندن مرات كثيرة، بما في ذلك في طفرة السكك الحديدية في منتصف القرن التاسع عشر حين كانت الولايات المتحدة سوقاً ناشئة. والتراجع الحالي في قيمة شركات السلع، بما فيها جلينكور، هي حالة يعيد فيها التاريخ نفسه.

تراث الحي المالي

والمشكلة الكامنة هي وضع السهم في أحد المؤشرات، أي ان كثيراً من المؤسسات لا بد أن تستثمر في أي شركة مدرجة في أحد المؤشرات. وهنا لا يكون لديها خيار في مقاطعة الشركة التالية، على غرار شركة الموراد اليوراسية، إذا تسللت إلى داخل مؤشر فايننشيال تايمز 100، وبالتالي هي تريد أن تكون محمية من تكاليفها الاستثمارية.

لكن هذا ليس من شأن سلطة الإدراج البريطانية التي تتمثل مهمتها في تعزيز القواعد في المجالات التي تدعو الحاجة إليها وتجنب بعض من التجاوزات التي وقعت في الماضي، وفي الوقت نفسه عدم الإضرار بتراث الحي المالي فيما يتعلق بالإدارة الرشيدة والشركات وإنقاذ المساهمين من الأعمال الحمقاء.

وبدلاً من المبالغة في التصحيح عن طريق تغيير القواعد بصورة جذرية لكل شركة مدرجة من الدرجة الأولى، ينبغي للندن أن تركز على الحالات الصعبة. فالحي المالي ليس ملزماً بأخذ إدراجات الشركات التي لا يثق بها من بلدان ذات أنظمة قانونية رديئة، فهو يستطيع أن يرفض ذلك.

* (فايننشال تايمز)