غريبٌ فعلاً أن يصدر بشار الأسد مرسوماً يقضي بمنح عفو عام عن الجرائم المرتكبة قبل السادس عشر من أبريل 2013، والأغرب أنه في مرسومه هذا، الذي هو ليس الأول في هذا المجال، لم يحدد طبيعة هذه الجرائم المقصودة، فهل هي التي ارتكبها "شبيحته" وقواته "الباسلة" ضد أبناء الشعب السوري وتدمير مدنهم وقراهم وتحويلهم إلى لاجئين اضطروا جراءها إلى العيش في مخيمات في الدول المجاورة أم هي ما اضطر إليه "المعارضون" دفاعاً عن شعبهم وعن أنفسهم؟!
وحقيقة، فإن هذا يؤكد صحة اتهام الرئيس السوري بأنه يعيش في الأوهام وأنه مفصول عن واقعه وواقع بلده وذلك لأنه يتصرف بهذه الطريقة ولأنه يصدر مثل هذه المراسيم التي لا تراعي، أبداً، أنَّ في سورية فعلاً حرباً طاحنة أكلت وتأكل الأخضر واليابس، وعجزت كل محاولات إيقافها بالوسائل السلمية والسياسية عن تحقيق ولو الحد الأدنى من هذا الهدف، لأن هذا النظام الغريب العجيب مُصرّ على البقاء ومتمسك بعدم التنحي، وأثبت أنْ لا خيار يفكر فيه لإيجاد نهاية لهذه المأساة إلا خيار القتل وسفك الدماء والقوة العسكرية الباغية.إنَّ مما لا شك فيه أن المقصود بـ"المجرمين"، في مرسوم بشار الأسد هذا المشار إليه، هم مقاتلو المعارضة السورية وهم ضباط وجنود الجيش السوري الحرِّ الذين لم تعد سجون ومعتقلات هذا النظام تستوعبهم والذين غدت تطفح بهم المدارس والمؤسسات الحكومية بعدما لم يعد هناك مكان لسجين واحد لا في السجون العسكرية ولا في السجون المدنية ولا في سجن "تدمر" الرهيب الذي كان ذات يومٍ من بدايات عقد ثمانينيات القرن الماضي مسرحاً لإحدى أبشع المذابح التي ارتكبتها "سرايا الدفاع" التي كان لها أيضاً دور "بطوليّ"!! في مذابح حماة المفزعة عام 1982.إنها لعبة واضحة وإن هذا "المرسوم" هو مجرد تحايل على الواقع ولا يمكن أن يصدقه إلا المصابون بمرض "التوحُّد" الذين يعيشون واقعاً لا صلة له بكل هذه المآسي التي تحدث في سورية، والمؤكد أن إصداره بهذه الصورة المبهمة وغير المحددة هو أولاً من قبيل التعامي عن كل هذه الحقائق الراعفة الشاخصة، وهو ثانياً من قبيل افتراض غباء الشعب السوري وافتراض غباء العرب والعالم كله... إذْ ما المقصود بـ"المجرمين" يا ترى ومنْ هم هؤلاء؟!لقد كان على بشار الأسد في مناسبة ذكرى الاستقلال أن يتحلى بالجرأة والشجاعة وأنْ يبادر في هذه الذكرى العظيمة إلى إعلان أنه جاهزٌ للتنحي وفق مبادرة تحقن دماء أبناء الشعب السوري وتضمن وحدة وطنهم واستمرار تآخي كل طوائفه ومكوناته الاجتماعية التي هو المسؤول، لا غيره، عن إصابتها بكل هذه الاهتزازات الخطيرة.إنه لم يعد أمام بشار الأسد إلا خياران، هما إمَّا الشفاء من مرض "التوحُّد" الذي يعيشه والاستعداد الفعلي للتنحي وحقن دماء شعبه وترك هذا الشعب يقرر مستقبله المنشود، وإمَّا الإغراق في حالة البعد عن الواقع وانتظار لحظة إلقاء القبض عليه بالطريقة نفسها التي جرى فيها إلقاء القبض على حليفه السابق معمر القذافي وسحله في الشوارع أو أخذه إلى محكمة الجنايات الدولية ليحاكم من وراء القضبان كسفاح قاتل كما حوكم الجنرالات اليوغسلافيون على ما ارتكبوه من مذابح على أساس عرقي وديني في الحروب الأهلية البلقانية القذرة.
أخر كلام
خياران لا غيرهما أمام بشار
17-04-2013