جعجع يصحح «الرماية» ويطرح «مقاربة تصحيحية»
أعاد المسيحيين إلى قلب الشراكة مع المسلمين في لبنان والعالم العربي
أجمعت قراءات المراقبين والسياسيين لخلفيات وأبعاد خطاب رئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع الذي ألقاه أمس الأول بمناسبة الذكرى السنوية لشهداء «المقاومة اللبنانية»، على اعتباره «إعادة تصويب للرماية السياسية» بعد مخاض سنة كاملة من السجالات الداخلية على المستويات اللبنانية والمسيحية وداخل «14 آذار» في شأن قانون الانتخابات النيابية التي لم تحصل، و»مقاربة تصحيحية» أعادت المواجهة التي يشهدها لبنان الى جوهرها الاستراتيجي المتمثل في هوية لبنان وموقع وخيارات مسيحييه ودورهم، بعيداً عن المناكفات السلطوية المتمثلة بأحجام الكتل النيابية والمحاصصات الحكومية والإدارية. والواضح أن جعجع أراد بخطابه: أولاً، الخروج داخلياً من فخ التداعيات التي تركها «مشروع قانون اللقاء الأرثوذكسي» للانتخابات النيابية التي لم تحصل على العلاقات بين «قوى 14 آذار» في مقاربتها للانتخابات الرئاسية المرتقبة، وثانياً، العودة بالمسيحيين إلى قلب المعادلة الإقليمية من خلال رسم دورهم في الربيع العربي وحجز مقعدهم في النظام الإقليمي المقبل، بعد سلسلة الأخطاء التكتيكية التي أغرقتهم في صراع داخلي على السلطة في وقت ترسم التطورات الإقليمية الأدوار والأحجام المقبلة للاعبين المؤثرين فيها.
ويبدو من خلال مضمون خطاب جعجع أن استراتيجية رئيس حزب القوات اللبنانية للتعاطي مع المرحلة المقبلة التي ستشهد انتخاب رئيس جديد للجمهورية تقوم على الآتي: 1 - إعطاء دفع تنظيمي جديد لوحدة «قوى 14 آذار» باعتبارها الإطار اللبناني الحقيقي للشراكة المسيحية – الإسلامية في هذه المرحلة، يجب أن يتقدم على نظرية تحالف الأقليات الدينية والمذهبية (المسيحية – الشيعية – العلوية) في مواجهة الأكثرية السنية التي يروج لها مسيحيو «8 آذار». 2 - تجاوز نظرية مقاربة الاستحقاقات الانتخابية الوطنية على قاعدة اتفاق القادة المسيحيين في ما بينهم بمعزل عن الشريك المسلم كما سبق أن حصل في ملف مشروع قانون اللقاء الأرثوذكسي للانتخابات النيابية، وإعادة الاعتبار لجوهر المواجهة المتمثلة بالمعركة الوطنية التي تفرز اللبنانيين مسلمين ومسيحيين بين خط سيادي وآخر يلحق لبنان بمنظومة دكتاتورية إقليمية معزولة دوليا. 3 - تشجيع المسيحيين على لعب دورهم في ثورات «الربيع العربي» كجزء من شعوب الدول التي يعيشون فيها، لأن ضمان دورهم السياسي والثقافي والحضاري والاقتصادي يكون بمدى تأثيرهم وحضورهم ومساهمتهم في هذه الثورات، لا في انعزالهم وتقوقعهم والاكتفاء بمراقبة التطورات عن بعد. وفي رأي المراقبين، فإن جعجع الذي تحدث في خطابه بلهجة «المرشح الرئاسي القوي» عشية الانتخابات الرئاسية في عام 2014، استعاد لهجة سلفه مؤسس القوات اللبنانية الشيخ بشير الجميل عشية الانتخابات الرئاسية عام 1982، طارحا مواصفات للرئيس المقبل للجمهورية تنطبق عليه حصرا. وهو باستراتيجيته الجديدة: 1 - مد يده الى رئيس تيار المستقبل سعد الحريري في إشارة واضحة الى رغبة في تخطي الشوائب التي انعكست سلبا على التحالف بين الرجلين نتيجة للخيار المرحلي الذي تمثل في التفاهم بين الرباعي المسيحي: عون – جعجع – الجميل - فرنجية برعاية البطريرك الراعي على مشروع قانون للانتخابات النيابية بمعزل عن رأي تيار المستقبل. 2 - ترك الباب مفتوحا أمام كل فريق لبناني راغب في الالتحاق بمشروع «قوى 14 آذار» الوطني من خلال دعوة التيار الوطني الحر الى الاعتراف بخطأ خياراته في التحالف مع حزب الله والوقوف في وجه ثورات الربيع العربي. 3 - عبد الطريق لإعادة السخونة الى الخطوط السياسية والدبلوماسية مع المملكة العربية السعودية والدول العربية الداعمة لــ»الربيع العربي» في مواجهة النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط، بعد فترة من البرودة نتيجة لانشغال القوات اللبنانية بسياسات لبنانية داخلية ومرحلية. 4 - أعاد إحياء دور القوات اللبنانية العابر لحدود الانتشار المسيحي في لبنان مقدما إياها نموذجا سياسيا واستراتيجيا لمسيحيي الشرق يمكن من خلال استنساخ تجربتها في بناء شراكة مسيحية – إسلامية لبنانية، أن يضمن مسيحيو الدول العربية حضورهم ودورهم ومستقبلهم الى جانب المسلمين من خلال أنظمة سياسية بعيدة عن الدكتاتوريات الدينية والعقائدية.