«حزب الله» لا يمثل الشيعة!
لا ينبغي ولا يجوز السكوت على اللعبة الخطرة التي يمارسها بعض الخطباء، وهي إذكاء نار الطائفية عبر التحريض وبث الكراهية والإساءة إلى إخواننا الشيعة بجريرة "حزب الله" واصطفافه مع النظام السوري في قتال الشعب السوري الذي يقاوم أبشع نظام قمعي عرفه التاريخ. نعم الشعب السوري يجاهد هذا النظام الجاثم على صدره لأكثر من 3 عقود، و"حزب الله" سقط أخلاقياً وإنسانياً وسياسياً وقومياً ودينياً بالدفاع عن هذا النظام المكروه عربياً وإسلامياً ودولياً كما سقط بمشاركته النظام في جرائمه الوحشية ضد الآمنين في القصير.
ولكن كل هذا لا يبرر ولا يسوغ الانزلاق إلى اتهام الشيعة وتعميم الحكم عليهم طبقاً لما ذهب إليه أحد المشايخ بقوله "إن الشيعة يعدون العدة وينفقون المال من أجل تنفير مجازر في سورية للفتك بأهل السنة". ولو أنصف هذا الشيخ لقال: إيران هي التي تعد العدة لا الشيعة. وهي القضية التي يجب أن نصرّ عليها ونؤكدها بأن الصراع الحاصل في سورية ليس صرعاً بين السنة والشيعة، بل هو صراع بين شعب مضطهد يريد حريته وكرامته ونظام مستبد لا يتورع عن ذبح شعبه يومياً وعلى مدى عامين، وبلغ ضحاياه مئة ألف قتيل وجريح غير ملايين المشردين والنازحين واللاجئين الذين يستغيثون ويستنجدون بالولي العربي والمسلم والمجتمع الدولي!على هؤلاء الدعاة والخطباء ألا ينزلقوا إلى هذه اللعبة الخطرة، وليحذروا ويتبصروا، فإن تداعياتها وإفرازاتها وتوابعها ستكون كارثية على مجتمعاتهم وأوطانهم، نحن ضد "حزب الله" منذ تكوينه في لبنان 1982 على يد الحرس الثوري الإيراني ليكون قاعدة إيرانية مرابطة على شواطئ البحر المتوسط ترعى وتحمي مصالح إيران ونفوذها هناك بحجة المقاومة، وحماية لبنان من العدوان الإسرائيلي. ولم أصدق في يوم من الأيام شعارات الحزب في المقاومة وتحرير فلسطين، بل كنت دوماً أرى فيه ذراعاً سياسية وعسكرية إيرانية للهيمنة على لبنان برعاية من النظام السوري الذي كان معبراً للسلاح والمال الإيراني إلى الحزب. لقد أنفقت إيران البلايين على الحزب وما زالت تنفق، وأمينه العام افتخر بالمال الطاهر وأظهر علناً ولاءه التام للولي الفقيه وامتثاله المطلق لتوجيهاته، وهذا كله معروف للجميع ومنذ زمن طويل إلا لبعض المخدوعين المضللين الذين كانوا معجبين بحزب الله وأمينه العالم، ثم استفاقوا أخيراً إثر عدوان حزب الله على أهالي القصير وجرائمه البشعة ضدهم، ولكنها كانت استفاقة متأخرة وضبابية ومتشنجة! لم أصدق في يوم من الأيام انتصارات حزب الله التي طالما تغنى بها ومجّدها هؤلاء المخدوعون الذين استبصروا مؤخراً وأفاقوا، لم أصدق حزب الله في ادعائه تحرير الجنوب اللبناني وطرده إسرائيل في مايو 2000؛ لأن في الحقيقة إسرائيل هي التي انسحبت أحادياً من الجنوب تنفيذاً للقرار الدولي 425 وذلك باعتراف لبنان والأمم المتحدة بسبب أوضاع داخلية إسرائيلية بحتة. ولم أصدق سيد المقاومة في ادعائه الانتصار الإلهي صيف 2006، بل رأيت في مغامرته غير المحسوبة هزيمة منكرة وكارثة على لبنان وشعبه ودماراً لاقتصاده وسياحته بلغت تكاليفها 8 بلايين دولار غير آلاف القتلى والجرحى. لقد كان "حزب الله" ولا يزال خنجراً إيرانياً مزدوجاً: في صدور اللبنانيين وفي ظهور العرب، وإلا لماذا تجوع إيران شعبها في سبيل الإنفاق على هذا الحزب؟! الذين استفاقوا من غفلتهم مؤخراً واعترفوا بأنهم كانوا مضللين، لطالما أشادوا بسيد المقاومة في خطبهم وتوافدوا إليه في الضاحية الجنوبية، وقالوا فيه شعراً ونثراً، ورأوا فيه بطلاً قومياً (تشرق الشمس من عمامته)! واليوم انقلبوا عليه بشدة ووصفوه وحزبه بأبشع الأوصاف! ولم يكتفوا بذلك بل كالوا التهم والإساءات إلى إخواننا الشيعة جميعاً. هؤلاء قوم انفعاليون لا يعرفون التوسط في الأمور ولا الاعتدال في المواقف، وإلا ما تفسير هذا الانقلاب العنيف من قمة الإعجاب بسيد المقاومة إلى قمة الكراهية والعداء له؟! ومن يدري ماذا سيكون موقفهم غداً لو أمر سيد المقاومة بتحريك صاروخ تجاه إسرائيل؟!لقد عصمني الله تعالى من أن أخدع بشعارات الحزب، إيماني بأن كل هذه الجماعات والحركات الدينية السياسية التي تتخذ من شعارات "المقاومة" أو "الجهاد" ذريعة للحكم والسلطة والنفوذ والهيمنة، إنما هي حركات مسلحة ذات نزعة إقصائية متطرفة، وهي في حقيقتها حركة انقسامية وانقلابية على الدولة الوطنية، تهدف إلى إضعافها وتفكيكها، وهي من حيث لا تدري تقدم أعظم خدمة لإسرائيل في الوقت التي تتظاهر بالمقاومة! وكنت دائماً أستشهد بنموذجين بارزين هما: حزب الله الشيعي وحماس السنية، وهما في هذا المسعى والهدف لا يختلفان لجهة اختلافهما المذهبي، وهذا ما أريد تأكيده وبيانه. إن اصطفاف حزب الله مع النظام السوري ضد الشعب السوري لا علاقة له بالمذهبية بل بالمصالح السياسية المشتركة، كما أن الاختلاف المذهبي بين إيران من جهة وحماس والإخوان من جهة أخرى لم يحل دون تعاونهم ودعمهم لبعض، وتمويل إيران لحماس وإشادة المرشد السابق عاكف بإيران وسياستها وتأييده لها في تملكها النووي، لذلك على العلماء والدعاة الحذر من الوقوع في الفخ الطائفي وعليهم أن يكونوا أهل بصيرة وعدل ولا يرتضوا الظلم للإخوة الشيعة، مصداقاً لقوله تعالى "ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا". ومن قال إن حزب الله هو ممثل للشيعة أو متحدث باسمهم بل حتى إيران ليست ممثلة للشيعة مثلما أن "القاعدة" ليست ممثلة للسنة، ولا أي دولة عربية ممثلة للسنة جميعاً، بل إن علماء الشيعة هم أول من تصدوا للحزب واستنكروا عمله وهم كثر منهم: السيد صحبي الطفيلي أمين حزب الله السابق، والسيد هاني فحص والسيد مقتدى الصدر، والسيد علي الأمين والسيد محمد الأمين وغيرهم. هؤلاء جميعاً وقفوا بشجاعة ضد سيد المقاومة ونددوا بجرائم النظام السوري، وأعلنوا وقوفهم مع الشعب السوري، فلماذا ينزلق بعض علمائنا إلى اتهام الشيعة وظلمهم؟!الاتهام مرفوض، والتشكيك والتخوين غير لائقين، وتعميم الحكم على الطائفة الشيعية، خطأ أخلاقي ومعرفي، وعلى العقلاء والحكماء تدارك هذا الأمر واحتواء الفتنة كما عملوا قبل 5 سنوات حينما فجر أحد المشايخ قنبلة "التبشير الشيعي" محذراً من الغزو الشيعي لمصر والمجتمعات السنية، لكن عقلاء القوم من زملائه تصدوا له وردوا عليه وأسكتوه. ولو كان هذا الشيخ منصفاً لحذر من مخططات إيران في المنطقة ومن وكلاء إيران الذين يتلقون أموالها ويأتمرون بأمرها ويخططون ضد مجتمعاتهم وأوطانهم تنفيذاً لأجندتها في المنطقة، لا الغزو الشيعي المذهبي كما سماه وأثار فتنة طائفية غير مبررة! لقد بلغت به الكراهية والتعصب المذهبي حد إنكاره فتوى الشيخ شلتوت بجواز التعبد بالمذهب الجعفري الاثنا عشري، مع أنها ثابتة بيقين. ختاماً: نحن نستنكر فعلة حزب الله الإجرامية في سورية وفي لبنان وفي كل منطقة، ونرى أن حزب الله لا يمثل الشيعة بأي حال من الأحوال بل يمثل مصالح إيران في المنطقة ويأتمر بتوجيهاتها صاغرة ذليلة.* كاتب قطري