«أحلام يقظة» كابوسية!

نشر في 08-03-2013
آخر تحديث 08-03-2013 | 00:01
 مجدي الطيب يستقي الكاتب الكبير وحيد حامد مغامرات أبطال أفلامه من الواقع المحيط به وعلاقاته، فضلاً عن اتصالاته. في فيلمه الأخاذ «اللعب مع الكبار»(1991)، وضع يديه على قصة الموظف، الذي استغل عمله في أحد السنترالات الشهيرة للتنصت على المحادثات الهاتفية للأباطرة والأشرار، والسعي إلى فضح مخططاتهم ومؤامراتهم، وفي فيلم «المنسي» (1993) استوحى القصة من شاب التقى به وانشغل بهمه، فقدمه على الشاشة في صورة عامل «السيمافور» الذي يحذر القطارات، وأغلب الظن أنه كان يحذر الوطن من كارثة محققة، وصدقت نبوءته. وفي فيلم «الراقصة والسياسى» (1990)، كان يُشير إلى شخصية «وزير» عُرف بتضخم نفوذه، وامتلاكه لأذرع «أخطبوطية» اعتاد أن يستخدمها للبطش بخصومه، ولم يكن يختلف كثيراً عن «الراقصة» التي تتاجر بجسدها بينما تفنن في الاتجار بالمبادئ والتلاعب بالألفاظ. وأكبر الظن أنه واصل في فيلم «كشف المستور» (1994) تعقبه لذلك «السياسي»؛ إذ إن خلفيته القذرة وماضيه الملوث يتماثلان إلى حد كبير مع شخصية بطل «كشف المستور»، الذي جند بعض الفتيات في أعمال قذرة للإيقاع بشخصيات رفيعة الشأن مطلوب إخضاعها أو استهداف معلومات استراتيجية لديها، على وعد منه بإتلاف الأشرطة التي تدينهن، وتفضح ممارساتهن السابقة، فور انتهاء المهمة، لكنه أخلف وعده، وما زال يطاردهن ويطالبهن بأن يقدمن أجسادهن مجدداً خدمة للوطن وفداء له!

كان واضحاً بالطبع أن حامد وضع يديه على ملف خطير من ملفات جهاز سيادي مهم، واعتماداً على وقائعه المثيرة انطلق يفضح ويكشف تفاصيل لم تتح لكاتب سواه، وهو النهج الذي اتبعه بشكل آخر في فيلم «طيور الظلام» (1995)، الذي شن من خلاله هجوماً كبيراً على الجماعات المتسترة وراء الدين، لكنه عاد ليوظف حدسه الرفيع، وقدرته الفائقة على قراءة ما بين سطور الحوادث العابرة في الصحف اليومية، وقدم «معالي الوزير» (2002) الذي رصد من خلاله ظاهرة «وزير الصدفة»، الذي يهبط على المنصب جراء خطأ ناتج من تشابه أسماء، وهي واقعة حقيقية كانت محل تندر على أرض الواقع. من الصحف أيضاً، التقط وحيد حامد قصة أول محام يترافع في قضية «خُلع»، وأطلق على فيلمه «محامي خلع» (2002)، وبعدها عاد لينبش في الحياة اليومية ويفتش في وجوه البشر وينجذب لقصة «كشاف النور» محمد مسعد، الذي يقرض الشعر ويقدمه في فيلم «ديل السمكة» (2003)، ليرصد من خلاله التفسخ السائد في المجتمع المصري، والذي لا تخطئه عينا شاب يقرأ «عداد النور» في منازل النخبة والعامة.

اهتمام وحيد حامد بالبسطاء والمهمشين لا يعني مُطلقاً أنه يجهل ما يجري في المجتمع المخملي؛ بدليل اهتدائه إلى فكرة فيلم «قصاقيص العشاق» (2003)، التي تتحدث عن امرأة اعتادت أن تحتفظ بقصاصة من ملابس أي رجل تمضي معه ليلة عشق مشبوب. وبالحنكة نفسها والبراعة في غزل الأفكار والتفاصيل يقدم في فيلم «دم الغزال» (2005) قصة «الطبال» الذي تحول بين ليلة وضحاها إلى «أمير جماعة دينية متطرفة»، وفي فيلم «الأولة في الغرام» (2007) يكاد يكون الأسبق إلى التنبيه بخطة توريث كرسي الحكم، ولا يفوتنا هنا أن ننوه إلى أن العنوان الأول للفيلم هو «الوريث»!

الخلاصة أن وحيد حامد أحد أكثر الكتاب فهماً لطبيعة الشعب المصري، وقدرة على الغوص في أعماقه، وتتساوى عنده الطبقة الميسورة، والطبقة المعدمة والفقيرة، ورغم الشهرة الواسعة التي اكتسبها كونه يمارس طقساً خاصاً لحظة الكتابة يتمثل في اختلائه بمائدة خاصة في أحد الفنادق السياحية الكبرى المُطلة على النيل، إلا أنه لم ينفصل يوماً عن هموم الواقع المصري؛ فهو قارئ جيد لأحواله ومُطلع بشكل واسع على أمراضه، وليس أدل على هذا من فيلم «النوم في العسل» (1996)، الذي تكشف قراءته المتجددة في وقتنا الراهن الفطرة السليمة لوحيد حامد، وامتلاكه تلقائية ملحوظة في قراءة الأحداث، والربط بين وقائعها، والعبور منها إلى نتائج نضع أيدينا عليها بعد عشرات السنين؛ فمن شاهد «النوم في العسل» وقت عرضه تصور أنه «فانتازيا» أو مجرد «أحلام يقظة» كابوسية، بينما المتأمل لمجريات الأحداث، وتطورها في الفترة الأخيرة، يُدرك أن «العقم المفاجئ» الذي أصاب الشعب المصري في الفيلم يكاد يُخيم بظلاله على الواقع الراهن، وكأن وباءً تفشى في الوطن بفعل فاعل، وهو ما نبه إليه حامد في أحد مشاهد الفيلم، عندما سأل البطل (عادل إمام) الأستاذ والعالم الكبير أحمد الأيوبي (لطفي لبيب): «لو فيه قوة معادية عاوزة تدمر البلد تعمل إيه؟»، فأجابه: «تُشيع مناخ الإحباط بين الناس!». وفي رأيي أن هذا ما يحدث اليوم بالضبط في مصر!

back to top