لو أصبحنا لاجئين
حدث غرق سفينة لاجئين في المياه الإندونيسية من الباحثين عن حياة إنسانية مقبولة في أستراليا ـ معقولة أو مستورة، ولا أقول كريمةـ وموت عدد من أفراد أسر عكارية لبنانية، هذا الحدث يُعدّ، على حد وصف نبيل أبومنصف في جريدة النهار اللبنانية، "صورة مهينة حتى العظم للبنانيين وصادمة إلى أقسى حدود الصدمة". هي صورة مهينة وصادمة لأننا لم نألف، هنا في الكويت وبقية دول الخليج المترفة مالياً سماع أخبار كهجرة "غير مشروعة" للبنانيين، حين يتساوى هؤلاء في البؤس والمعاناة مع أكثر فقراء العالم الهاربين من دول الجوع إلى عالم جديد في الغرب أو الشرق. نعرف أن أعداداً كبيرة من اللبنانيين هم من المهاجرين الشرعيين، وهؤلاء المهاجرون أغلبهم من أصحاب الكفاءات الإدارية والمالية، ومستوى معيشتهم في الخليج، مثلاً، يمكن وصفه بأنه "فوق النخل"، فكم لبناني أصبح من أهل الملايين في أميركا اللاتينية، فأغنى رجل في العالم المكسيكي كارلوس سليم من أصل لبناني، وكم لبناني أضحى قيادياً في دول المهجر. هو التاريخ اللبناني الممتزج بروح المغامرة والبحث الدؤوب عن الرزق الآمن في منطقة تضج بتاريخ حافل من التشرذم والقتال الطائفي، وكون لبنان هو نافذة الشرق العربي للاتصال بالحداثة الغربية، قد يكون هذا أو ذاك، السبب وراء عبقرية الهجرة اللبنانية إلى الخارج.
لكن المفارقة المحزنة، اليوم، أن اللبنانيين أضحى حالهم من حال تعساء بورما والصومال وغيرهما من بقع الفقر، لنجد أكثر من عائلة لبنانية تنحشر في قارب صغير لتهرب من أجمل بلدان العرب بصورة غير مشروعة، وصف الهجرة "غير" المشروعة هو ما يصدم الكبرياء اللبنانية الآن، فلا أحد يذكر أن لبنانيين هاجروا بتلك الصورة المهينة، حتى في أحلك ظروف الحرب الأهلية من ٧٥ إلى ٩٠ من القرن الماضي، وهذا لا يعني إلا أن الوضع اللبناني اقتصادياً وأمنياً أصبح أسوأ من أيام الحرب الأهلية. مأساة غرق بعض عوائل عكار لا يمكن فصلها عن مآسٍ أكبر وأشد للسوريين كلاجئين في دول الجوار أو حتى في وطنهم، ولا يمكن أيضاً عزلها عن المشهد الأكبر للعراق في حفلات التفجيرات شبه اليومية وما يرافقها من هجرات عراقية غير شرعية إلى الخارج، يهربون مما يفترض أن يكون أغنى بلد في العالم العربي باحثين عن الرزق والأمان. كلمة "لاجئين" عرب، لم تعد قاصرة على الفلسطينيين، فقد امتدت معانيها إلى وصف معظم إخوانهم في "بلاد العرب أوطاني"، ويكاد وضعنا في الخليج أن يستثنى من ذلك، فالخيمة النفطية تحوى أهله وتحميهم، لكن ماذا سنفعل لو اقتلعت ريح الزمن تلك الخيمة؟ ماذا سنصنع، فنحن لا نملك التراث اللبناني المكافح، ولا جلد وصبر جيرانه؟! ما العمل، أليس من حقنا أن نقلق من المستقبل وعندنا إدارة سياسية في الكويت، على سبيل المثال، لا تعرف من الزمن غير لحظة الحاضر وكأن الغد لن يحضر؟!