لقد قرأت رسالة الناقد والفنان اللبناني جلال توفيق "تعاون عابر للزمن" المنشور في الدليل الفني الضخم الذي صدر عن بينالي الشارقة العاشر.
ورغم أن الرسالة قديمة نسبياً غير أنني دُهشت أمام الأفكار المطروحة المتعلقة بهذا الثالوث، السينما، الزمن، الأدب، ومن وجهة نظر الثقافة البصرية على الأقل فإنني أتشارك مع بعض المقاربات الألمعية التي وردت في الرسالة، وتحديداً ما يتعلق بجيل دولوز في كتابه المكوّن من جزأين (سينما الصورة – الحركة، سينما الصورة – الزمن) وهو ذو أهمية استثنائية في طرح المقاربة المفاهيمية العالية حول الصورة، الزمن، الحركة، الوجود، وهي مفاهيم جوهرياً تمد القوة وتوسّع الرؤية والرؤيا وتمس علاقة الإنسان بالعالم. كان جيل دولوز ذا نظرة اختراقية بحيث أن ستاراً شفافاً بين الصورة والزمن قد يلغى أو يثبت في غمضة عين. ونحن نعرف أن رولان بارت حاول في كتابه "الغرفة المضيئة تأملات في الفوتوغرافيا" أن يعيد صياغة مفهوم الصورة الفوتوعرافية وعلاقة هذه الصورة بالزمن والموت، لقد طرح بارت أسئلة عديدة وعامة وكانت تصب أحياناً في مطارح ذاتية إلى أبعد الحدود، منها مثلاً عندما شاهد للمرة الأولى صورة ضوئية لجيروم الأخ الأصغر لنابليون والتي التقطت له عام 1852، فعبّر عن دهشته قائلاً: "أنا أرى العيون التي رأت الإمبراطور". من هذه النقطة تحديداً أود أن أدخل إلى مفهوم رسالة "تعاون عابر للزمن" ذلك لأن هذا التعاون الفلسفي الذي تدعو إليه الرسالة، وتسميه لا يتخلق إن جاز التعبير عبر أرواح قطيعية بل عبر مسار القلق الفردي، مسار يخترق تجربة الكائن الفردانية حتى وهو يعيش في قرية نائية في هذا الكون بحيث لا يتمكن من سماع الصرخة في لوحة ادوارد مونك أو نعيق غربان فان كوخ فحسب، بل يرى الصرخة والنعيق بوضوح شديد، حسناً فعل الناقد جلال توفيق وهو يستشهد بنيتشه، فرانسيس بيكون، وكافكا لكي يكتمل مشهد هذا القلق مثل قمر ساطع فوق أرض جرداء، لذلك لم يكن مهماً أن يدخل جيل دولوز في فردوس أكاديما "تاريخ أوكسفورد للسينما العالمية" الذي تُشير إليه الراسلة. أن يكون جيل دولوز أحد أهم مؤسسي النظرية السينمائية وحده كافٍ لتظهر صيرورته ساطعة بقدر شديد العمق، أما الطرف الآخر، أي الطرف الأكاديمي فإن الإلغاء مصير كل فكرة أصلية. نحن نعرف أن الإنسان يخاف من صورته، وأنه لا يرغب في أن يراها، لأنها تشكل بالنسبة إليه نوعاً من الوعي الشقي، أنظر إلى المرآة لن تجد سوى لعبة نكران، من هنا لا يبدو الزمن سوى لعبة تحايل حاذق أمام سطوة الموت. في السويد التي أقمتُ فيها أكثر من عشر سنوات، تناقشتُ كثيراً مع بعض السويديين بمختلف مستوياتهم حول إنجمار بيرغمان وإذا بي أنا القادم من أصقاع نائية أصاب بخيبة أمل... لماذا؟ لأنهم ببساطة كانوا ينظرون إلى بيرغمان كأنه من خارج الزمن، لأن الخوف من رؤية أنفسهم في المرآة كان مقلقاً بحيث كانوا على استعداد كامل لإلغائه، ذلك لأن هذا السينمائي لعب لعبة كبرى مع الزمن في أفلامه وتجلّت هذه اللعبة ربما في فيلم "الفراولة البرية".لقد توصل بيرغمان إلى إلغاء الزمن الخطي كلياً على صعيد المفهوم السينمائي، ولم يكن الختم السابع مثلاً بعيداً عن شطرنج لعبة الموت- الزمن، هذه اللعبة التي حيزها الشقاء الإنساني هي صورة رمزية لكنها كافية أيضاً لبَث القلق والاضطراب في أوصال الحياة.
توابل - ثقافات
تصورات ورؤى 1-2
31-07-2013