فجر يوم جديد: «صالون رجال»!

نشر في 19-04-2013
آخر تحديث 19-04-2013 | 00:01
 مجدي الطيب سجلت السينما الكويتية انتصاراً كبيراً في الدورة السادسة لمهرجان الخليج السينمائي (11 - 17 أبريل 2013) بمشاركتها بالفيلم الروائي القصير «صالون رجال»، سيناريو وإنتاج وإخراج مشعل الحليل. في اللحظة التي انتهى فيها عرض الفيلم، الذي اختير للعرض في البرنامج الرسمي «أضواء»، دوت القاعة بالتصفيق إعجاباً وفرحاً بالفيلم الممتع، وبمخرجه الشاب، الذي امتلك قدرة فائقة وبراعة منقطعة النظير، على أن يحول فكرة بسيطة ربما خطرت على بال الكثيرين منا سابقاً، إلى تجربة سينمائية تقطر سحراً وجمالاً وتفيض بخفة الظل، فضلاً عن المغزى السياسي الذي يطل برأسه من التجربة!

في فيلم «صالون رجال»، الذي قالت عناوينه إنه مأخوذ عن قصة حقيقية، يواجه الشاب «عبد الرحمن» أزمة طريفة، أغلب الظن أنها واجهت الكثير من الرجال، تتمثل في رغبته الجارفة بإنهاء علاقته بـ «طارق»، صاحب صالون الحلاقة الرجالي الذي اعتاد التردد عليه، بسبب عنفه وبطشه ومعاملته الفظة التي لا تخلو من قسوة وخشونة، لكن الشاب يشعر بالجبن كلما حانت لحظة اتخاذ قرار «التغيير»، ويرضخ للواقع ثم يعود صاغراً إلى «الصالون» الذي يعمل به «طارق»، وكأنه مربوطٌ بخيط خفي يشده، ويُعيده إليه!

لا يمكن بالطبع أن نستسلم لهذه القراءة البسيطة للفيلم، الذي قال الكثير في مدة عرض لم تتجاوز على الشاشة 14 دقيقة، ولم يثرثر أو يحتاج إلى ساعتين ليقول كلمته. ولا بد من أن نُدرك أن المخرج الشاب «الموهوب» انطلق، في تناول غير مسبوق، من الطرح التقليدي للعلاقة الشائعة بين «الشاب» و{الحلاق» ليقترب من العلاقة الأكثر تعقيداً بين «الحاكم» و{المحكوم» أو «المواطن» و{الدكتاتور»، الذي يبطش وينكل بشعبه، ورغم هذا يتردد «المواطن» كثيراً في الانقلاب عليه أو الإطاحة به، ربما بحكم «الخوف» من بطش الطاغية وتنكيله بمعارضيه وخصومه. وهو المعنى الذي أشار إليه المخرج ببراعة، في مشهد الكابوس الذي يطارد «الشاب» بأن «الحلاق» قطع أذنه، بعدما تنامى إلى علمه أنه بصدد الانصراف عنه إلى «صالون» آخر، وهو الكابوس الذي يتحول إلى حقيقة بإقدام «الحلاق» على قطع أذن مساعده «إسماعيل» بسبب اختلاف في الرأي (!)، أو بحكم «العشرة» التي امتدت بين «عبد الرحمن» و{طارق» إلى ما يقرب من الـ 14 عاماً، وتتسبب في إحجامه عن تنفيذ قراره عملاً بالمقولة المصرية المعروفة «القط يحب خناقه»، و{اللي نعرفه أحسن من اللي ما نعرفوش» التي تمثل ركناً رئيسياً في ثقاقة شعوب كثيرة تفكر ألف مرة قبل الإقدام على خطوة التغيير خشية «المجهول»!

في هذا السياق «الإيديولوجي» الناضج لم يكن غريباً على المخرج، الذي كتب السيناريو أيضاً، أن ينوه إلى أن العلاقة بين «الشاب» و{الحلاق» صارت أقرب إلى «الزواج الكاثوليكي»، الذي لا يعرف الطلاق، بل أوحى بأنها أقرب إلى علاقة العشيق وعشيقته؛ فالحلاق يُطارد الشاب بمكالماته الهاتفية إذا تأخر عن موعده، ويعنفه في حال تخلفه، والشاب من ناحيته مستسلم لأسباب لا يعرفها، ويبدو عاجزاً عن تفسير خنوعه وقلقه، وتردده في اتخاذ قرار «التغيير»، رغم معاناته من غلظة «الحلاق»!

استثمر المخرج الكويتي مشعل الحليل حدسه وثقافته، فضلاً عن وعيه السياسي الواضح، كما وظف أدواته الفنية التي أكد أنه يمتلكها، للتعبير عن الفكرة البسيطة برؤية غاية في الطرافة، مزج فيها بين الواقع و{فانتازيا الفكرة»، ونأى بنفسه تماماً عن الخطابة والمباشرة، وجاء اختياره لممثلي الدورين الرئيسين ليضيف الكثير إلى التجربة؛ فالمواصفات الشكلية للدكتاتور والمواطن تكاد تنطبق على الممثل حسين أشكناني، الذي جسد شخصية «الحلاق» (الدكتاتور) ضخم البنية، قوي الشخصية، صاحب الشارب الكث والنظرات الحادة الثاقبة والمزلزلة، بينما يبدو الممثل مقداد الكوت نموذجاً للمواطن ضعيف البنية والشخصية، الذي لا تعوزه الرومانسية والمثالية ولكنه دائم التردد وعاجز عن اتخاذ القرار الصائب في الوقت المناسب. واستكمالاً لهذه الرؤية التي لا تخلو من فطنة وسرعة بديهة يوظف المخرج أغاني فيروز لتصاحب المشاهد التي يظهر فيها «المواطن» بينما يختار الأغاني التركية لتواكب كل إطلالة للحلاق «الدكتاتور»، وكأنه يراه ابن «الأستانة» (عاصمة الولاية العثمانية) أو «سليل العائلة العلوية»!

في ظل هذا الزخم الدرامي والفكري للفيلم، الذي أضفى عليه مونتاج داوود شعيل حنكة وحيوية وإثارة، بإهماله للمواقف المفتعلة واللقطات الزائدة، وربطه البارع بين مشاهده، وكأنها حلقات في مسبحة، يأتي مشهد النهاية بالغ الدلالة، حيث يغادر «الحلاق» (الدكتاتور) البلاد، ويتخلص «الشاب» (المواطن) من عقدته وأزمته، ويُقدم على خطوة «التغيير». لكن المفارقة، التي لا أعلم إن كان المخرج قد فطن إليها أم لا، أن «المواطن» اختار  «مساعد الحلاق» أو بالأحرى «ذراعه اليمنى» في «الصالون» القديم ليضع رأسه تحت رحمته، وكأنه يتوق إلى «ديكتاتور» جديد!

back to top