كعادته في كل زمان ومكان، ومع صياح الديك وبزوغ شمس الصباح، أمسك "الراعي" عصاه وسار متجهاً نحو المرعى تتبعه الخراف؛ خروف يعدو خلف صاحبه، وآخر يتبع خطوات الذي أمامه بتسليم واتكال منقطع النظير، وسائر القطيع يتبع الراعي بكل ما تحمله كلمة "ثقة" من معنى.

Ad

وفي تلك الأثناء، تعثر راعي الغنم بحجر كان وسط الطريق، فسقط وانتهت به الحال في سفح الوادي، فتبعه الخروف الأول "متعمداً" التعثر إيماناً منه بسلامة خطى الراعي، وكذلك فعل الثاني والثالث والرابع، وما انتهت المأساة إلا بهلاك كل أعضاء القطيع!

تتلبس حالة "القطيع" بعض المجاميع البشرية عندما تُغيّب بإرادتها نعمة العقل التي ميزها الخالق به، وتقدمه على طبق من "وهن" إلى أحدهم، سواء كان مثقفاً أو سياسياً أو عالم دين أو وجيهاً شاءت الأقدار أن يكون من سلالة الوجهاء! فتبجله وتقدسه وتكاد، بعلم أو دون وعي، أن تصل به إلى حالة التأليه والعياذ بالله.

هنا يتحول هذا "الرمز" إلى "فرعون" وتتحول الفكرة إلى أداة لاستعباد البشر، فيكون هو محور القضية، ويتناسى حينها مع مرور الزمن ذلك القطيع "مبدأ الرمز" بسبب عامل التقادم، ويتبعون "رمز المبدأ" حتى إن ابتعد وحاد عن أصل المبدأ، فيأتي بعد ذلك أحد أفراد القطيع وينصّب نفسه "هامان" المجموعة، يجمع عقولهم فردا فردا ويضعها في كيس، ويرمي تلك العقول في يمّ النسيان، ويكون هو الوزير والقاضي والحاجب وصاحب بيت المال!

وبعد فوات الأوان، قد يتمرد أحد أفراد القطيع، ويمارس الرفض والعصيان، ويجتمع حوله بعض الخراف ويعقدون مؤتمر الإصلاح، فيأتيهم الجواب من الراعي "آمنتم به قبل أن آذن لكم؟ إنه كبيركم الذي علمكم السحر!".

وعندما، تسود ثقافة "السواد الأعظم"، وتكثر عوائق الطائفة والقبيلة والعائلة وترتفع الحواجز في وجه من يريد التمرد على الواقع المرير، فيحاول الضعفاء، وأولئك الذين أدمنوا إبر التخدير، تبرير إخفاقاتهم بحجة واهية رافعين شعار "نحن مجتمع لديه خصوصية" وحقيقة الأمر أنهم مجتمع لدى "الرمز" فقط فيه خصوصية شعارها السمع والطاعة ومكانة وبرج عاجي لا يجوز اقتحامه!

هنا يأتي مفترق الطريق، فإما أن تهب عقلك للراعي، أو أن تستمر بالسير في درب العقل، ولا تستوحش طريق الحق لقلة سالكيه!

خربشة:

ياما في السجن مظاليم

وياما في الهواء الطلق مساجين!