مَنْ هُمْ أعداء الديمقراطية العربية؟

نشر في 23-01-2013
آخر تحديث 23-01-2013 | 00:01
 د. شاكر النابلسي   -1-

كان السلفيون الإسلاميون أنفسهم أهم عائق للديمقراطية في العالم العربي، فالسلفيون من رجال المؤسسة الدينية، وبعض المثقفين الإسلاميين المتشددين يقفون عقبة في وجه الديمقراطية، وذلك بسبب أنهم لم يمارسوا العمل السياسي إلا مؤخراً كما أنهم حرفيون في مناهجهم الفكرية. إضافة إلى ذلك، فقد انكفؤوا على القديم، ولم يجددوا أو يطوروا أفكارهم، كما نقرأ ما كتبه عصام العريان وآخرون في (التيارات الإسلامية وقضية الديمقراطية، ص 109).

  -2-

فهم يرون، أن الانتخابات البرلمانية والحزبية، لا تعني في واقعنا العربي المعاصر سوى مسرحية أوروبية مترجمة، يحضرها جمهور محدد جداً من المثقفين، لكن ثقافتنا القائمة على الخلط بين الشورى والديمقراطية، لا تستطيع أن تقيس الفرق الهائل بين مسرحية في وطن ما، وواقع في وطن سواه، ولا تملك حلاً لأمتها سوى أن تُورِّط نفسها في الدعوة إلى ديمقراطية كلامية، هدفها أن تتجاهل الواقع المر، بالكلام الحلو عن واقع سواه، كما قال الكاتب الليبي الراحل الصادق النيهوم في كتابه ("صوت الناس.. محنة ثقافة مزورة"، ص 176).

ويرى بعض المفكرين الإسلاميين أن الغرب وموقفه من الديمقراطية العربية، هو العائق لتحقيق الديمقراطية "فالغرب لا يريدنا أن نكون ديمقراطيين حتى على النمط الغربي، لقد ضرب الغرب ديمقراطية الثورة العُرابية 1882م، وضرب مشروع عبدالناصر"، كما قال الباحث المعروف محمد عمارة وآخرون، في كتابهم ("التيارات الإسلامية وقضية الديمقراطية"، ص 104).

  -3-

فهل هذا صحيح؟

ربما يكون هذا صحيحاً في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، في وقت كانت فيه الديمقراطية الغربية لا تزال في مرحلة طفولتها الأولى، ولم يكن في ذلك الوقت منظمات حقوق الإنسان والدفاع عن الحريات الموجودة الآن في الغرب، كما لم يكن أثناء ذلك رأي عام غربي، يضغط على حكوماته، لحث دول العالم الثالث ومنها العالم العربي، على تطبيق حد أدنى من الاستحقاقات الديمقراطية. ولكن بعد الحرب العالمية الثانية، والقضاء على النظم الدكتاتورية في الغرب، وانتهاء الحرب الباردة، بدأت الديمقراطية الغربية (تشدُّ حيلها)، وبدأ الضغط على الدول الغربية من قبل الرأي العام الغربي، لحثِّ الديمقراطيات في العالم العربي ودعمها، ولعل التطبيق الديمقراطي المتعثر والضيق، الذي نشاهده في بعض أنحاء العالم العربي، إلا رشوة مشروعة للغرب و"ترضية لقوى الضغط الخارجية"، كما قال المفكر المغربي عبد الإله بلقزيز في كتابه (استراتيجية النضال الديمقراطي في المغرب. ص 79). وكان هذا المفكر، قد قال في موضع آخر:

"كانت النخب الحاكمة فيما مضى تتجاهل المطالب الديمقراطية، وتمارس جميع أنواع الانتهاك للحقوق المدنية والسياسية للمواطنين، دون أن تخشى الاحتجاج الدولي، ولم يعد ثمة ما يسمح لأي نظام سياسي عربي أن يتفاوض بحرية على إعادة جدولة ديونه، أو الحصول على قروض جديدة إلا بالرضوخ إلى هذه الشروط السياسية، التي قد تفتح إمكانية ما، من إمكانات تحقيق الانتقال الديمقراطي". (الانتقال الديمقراطي في الوطن العربي: العوائق والممكنات، ص 21).

  -4-

إن العقبة الأخرى، في طريق تحقيق الديمقراطية في العالم العربي، تتمثل بتأكيد المفكرين الإسلاميين تحقيق الشورى الإسلامية، لا الديمقراطية الغربية، وبما أن آليات الشورى التي طُبقت قبل خمسة عشر قرناً، غير مفيدة الآن، ولا تفي بالأغراض المطلوبة، فلا الشورى الإسلامية طُبقت، لعدم صلاحيتها للواقع المعاصر، ولا الديمقراطية طُبقت لمعارضة التيارات الإسلامية لها.

 ومن هنا أصبحنا كالمُنْبَت، لا ظهراً أبقينا ولا أرضاً قطعنا، وهـذا ما لخصه أحد الباحثين الإسلاميين بقوله: "إن النظر إلى الشورى من منظور الديمقراطية، وليس العكس، هو سبب وضعنا الحضاري المنخفض والضعيف، بينما الشورى أعمق وأكثر فائدة لمستقبل البشرية وللغرب نفسه".

  -5-

وأخيراً، فإن من عوائق الديمقراطية، وجود دعاة الخصوصية والاستثناء في المؤسسة الدينية، الذين يجابهون الفكرة الديمقراطية، ويسفهونها، وهذا التسفيه وتلك المجابهة تُسيء إلى الإسلام نفسه، من حيث إن الإسلام ترك لسلطة الاجتهاد، وسلطة العقل التصرف في المجال السياسي. ووضع مبادئ للحكم، تحثُّ على وجوب احترام حق المشاركة العامة، في إدارة شؤون الجماعة، وبذا، فإن الذين يعادون النظام الديمقراطي، يقفون موقف المناهضة الصريحة لمبدأ الشورى الإسلامية، باعتبار أن الشورى الإسلامية، هي الخطوة الأولية، نحو الديمقراطية المعاصرة.

  -6-

لم يدرك الأصوليون والسلفيون أن الديمقراطية منذ عهد الإغريق إلى اليوم، كانت مُنتجاً اجتماعياً وثقافياً، وأنها تتشكّل وتتهيأ وفقاً للمجتمعات التي تعيش فيها، وتطبقها، "فهي لا تقوم من فراغ، بل تُمارَس ضمن واقع اجتماعي محدد، وفي إطار مرحلة تاريخية معينة". كما يقول المفكر التونسي العفيف الأخضر.

فالديمقراطية الأوروبية مثلاً، تختلف في معناها ومبناها عن الديمقراطية الأميركية، والديمقراطية الإنكليزية، تختلف عن الديمقراطية الفرنسية، والشورى في العهد الراشدي، والتي يحلو لبعض المفكرين الإسلاميين المستنيرين من أهل اليسار كالشيوخ: علي عبدالرازق، خالد محمد خالد، أمين الخولي، وغيرهم، أن يطلقوا عليها "ديمقراطية"، تختلف عن الشورى التي مارسها الأمويون، والعباسيون، ومن جاء بعدهم.

وفي عام 1950، وجهت "هيئة اليونسكو"، التابعة للأمم المتحدة، أسئلة إلى أكثر من مئة عالم ومفكر سياسي واجتماعي واقتصادي، من كل أنحاء العالم، حول تعريف للديمقراطية، وكانت الإجابة، ألا تحديد واحداً، ولا مفهوم شاملاً لمعنى الديمقراطية، بل إن مفاهيم الديمقراطية على مر التاريخ، وبين الحضارات، تختلف فيما بينها، تبعاً للوضع الاجتماعي السائد، في كل شعب، وفي كل فترة.

* كاتب أردني

back to top