مكمن قوة كوريا الشمالية في ضعفها

نشر في 05-09-2013
آخر تحديث 05-09-2013 | 00:01
 بروجيكت سنديكيت عندما التقى الرئيس الأميركي باراك أوباما والرئيس الصيني شي جينبينغ خلال قمتهما السابقة في كاليفورنيا قبل شهرين كانت كوريا الشمالية موضوعاً أساسياً للمناقشة، ولم يكن الموضوع جديداً لكن النغمة كانت جديدة.

قبل أكثر من عقدين من الزمان وجدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن كوريا الشمالية قد انتهكت اتفاقية الضمانات الخاصة بها، وقامت بإعادة معالجة البلوتونيوم وبعد أن تخلت كوريا الشمالية سنة 2003 عن الاتفاقية اللاحقة، وهي اتفاقية الإطار المتفق عليه، والتي فاوضت بشأنها إدارة كلينتون، قامت بطرد مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية والانسحاب من اتفاقية عدم الانتشار النووي كما قامت منذ ذلك التاريخ بتفجير ثلاثة أجهزة نووية، وقامت بإجراء العديد من اختبارات الصواريخ.

لقد قام المسؤولون الأميركيون والصينيون خلال العقدين الماضيين بشكل متكرر بمناقشة تصرفات كوريا الشمالية سراً، وفي الاجتماعات العلنية. لقد كان الصينيون يقولون دائما إنهم لا يريدون أن تطور كوريا الشمالية أسلحة نووية لكنهم كانوا يدّعون أن لديهم تأثيراً محدوداً على النظام هناك بالرغم من أن الصين المورد الأساسي للطعام والوقود لكوريا الشمالية، وكانت النتيجة مناقشات متكررة معروفة نتائجها مسبقاً، بحيث لا تحقق الصين والولايات المتحدة الأميركية أكثر من الاعتراف بأن نزع الأسلحة النووية هو هدف مشترك.

إن الصين صادقة في التعبير عن رغبتها في أن تكون شبه الجزيرة الكورية خالية من الأسلحة النووية، لكن المسألة النووية ليست هي مصدر القلق الرئيس لديها فهي كانت تسعى كذلك إلى منع انهيار نظام كوريا الشمالية وما قد ينتج عن ذلك من فوضى على حدودها- ليس فقط تدفق اللاجئين ولكن أيضا احتمالية قيام القوات الكورية الجنوبية أو الأميركية بالتحرك إلى الشمال.

إن الصين الحائرة بين هذين الهدفين أعطت الأولوية للمحافظة على سلالة عائلة كيم، وهذا الخيار أدى إلى حدوث مفارقة واضحة: لقد أصبح لكوريا الشمالية وبشكل مفاجئ نفوذ قوي على الصين.

لقد أصبحت كوريا الشمالية تمتلك ما أطلق عليه "قوة الضعف" ففي مواقف مساومة محددة فإن الضعف وخطر الانهيار يمكن أن يصبح مصدراً للقوة، فعلى سبيل المثال لو كنت مديناً للبنك بمبلغ ألف دولار أميركي فإن للبنك تأثيراً عليك، ولكن لو كنت مديناً للبنك بمليار دولار أميركي فإنك ستمتلك قوة مساومة كبيرة عند البنك، والصين في هذا السياق هي صاحبة البنك الأكثر عرضة للمخاطرة.

ونتيجة لذلك حاولت الصين إقناع كوريا الشمالية باتباع النموذج الصيني المبني على أساس اقتصاد السوق، ولكن بسبب مخاوف نظام كيم بأن التحرر الاقتصادي سيؤدي في نهاية المطاف إلى مطالبات بحريات سياسية أكبر، فإن النفوذ الصيني على النظام الكوري الشمالي محدود، وكما قال مسؤول صيني في أحد المرات وبصراحة مفاجئة "كوريا الشمالية قد اختطفت سياستنا الخارجية".

لقد زادت كوريا الشمالية من قوتها وذلك عن طريق استغلال ضعفها بشكل جريء، وإن قادة الشمال يعلمون أن القوات الكورية الجنوبية والأميركية الأقوى سوف تربح صراعاً عسكرياً على نطاق واسع ولكن بوجود 15 ألف مدفع في المنطقة المنزوعة السلاح التي تبعد 30 ميلاً (48 كيلو مترا) فقط عن العاصمة الكورية الجنوبية سيول فإن قادة الشمال يعلمون أيضا أن بإمكانهم التسبب في أضرار كبيرة للاقتصاد الكوري الجنوبي بينما الشمال ليس لديه الكثير ليخسره.

إن كوريا الشمالية تتمتع بخبرة طويلة في التباهي برغبتها في المجازفة، حيث أثارت أزمة سنة 2010 عندما أغرقت سفينة بحرية كورية جنوبية وقصفت جزيرة كورية جنوبية، وفي هذا الربيع قامت بإجراء اختبار نووي وسلسلة من اختبارات الصواريخ مع ما صاحب ذلك من خطاب قتالي.

يبدو الآن أن الصين بدأت تفقد صبرها، فهي لديها ثقة أقل بحاكم كوريا الشمالية الجديد الذي يفتقد للخبرة كيم يونغ أون مقارنة بوالده كيم يونغ إيل، كما بدأ القادة الصينيون بالإقرار بالمخاطر التي تفرضها كوريا الشمالية على الصين.

إن المزيد من الاختبارات النووية يعني أن المطالبة بالأسلحة النووية قد تتزايد في كوريا الجنوبية واليابان، وبالإضافة إلى ذلك فإنه لو جاءت بعد خطاب نظام كيم الحاد في الربيع الماضي استفزازات ضد كوريا الجنوبية مثل تلك التي وقعت سنة 2010، فإن كوريا الجنوبية يمكن أن ترد بقوة مما يعني إمكان تدخل الصين.

إن إشارات التغيير تثير الفضول، فبعد المناقشات الصريحة المتعلقة بكوريا الشمالية من الرئيس الصيني شي وأوباما قام شي باستضافة قمة مع الرئيسة الكورية الجنوبية بارك جوين هاي بدون أن يلتقي أولاً مع حليفه الرسمي الكوري الشمالي، وبدلاً من ذلك قام اثنان من كبار المسؤولين الكوريين الشماليين لاحقاً لذلك بزيارة الصين، حيث تم توبيخهما بسبب تصرفات الشمال.

على النقيض من ذلك أصدر شي وبارك بياناً مشتركاً أعلنا فيه أهمية التنفيذ الدقيق لقرارات مجلس الأمن الدولي، والتي تدعو إلى فرض عقوبات على كوريا الشمالية بالإضافة إلى الاتفاقية المتعددة الأطراف لسنة 2005 والتي تفرض على كوريا الشمالية استبدال برامج الأسلحة النووية الخاصة بها بمزايا اقتصادية ودبلوماسية. لقد دعا القائدان إلى استئناف المحادثات السداسية المتعلقة بنزع السلاح النووي التي لا تزال معلقة منذ سنة 2009.

ما سيأتي بعد ذلك لا يزال يكتنفه الغموض، فكوريا الشمالية قد خففت من حدة خطابها وتصرفاتها، ولكن نظام كيم لم يعط أي إشارة عن رغبته في التخلي عن برنامجه للأسلحة النووية، والذي يعتبره حيوياً من أجل أمن وهيبة النظام، وعلى المدى الطويل فإن التغييرين الاقتصادي والاجتماعي يمكن أن يساعدا في حل هذا الوضع، لكن تبقى معضلة الصين أنها لو ضغطت بشكل سريع من أجل الاصلاح، فإن نظام كيم يمكن أن ينهار.

وإزاء هذا الاحتمال فإن من الممكن أن تتخذ الولايات المتحدة الأميركية وكوريا الجنوبية خطوات من أجل طمأنة الصين بأنها لن تستغل مثل هذا الموقف بتحريك قواتها للحدود الصينية، ففي الماضي عندما اقترحت الولايات المتحدة الأميركية محادثات هادئة لمناقشة التخطيط للطوارئ في حالة انهيار النظام، كانت الصين حذرة من إهانة وإضعاف كوريا الشمالية، ولكن إيجاد صيغة للتحدث عن التخطيط للطوارئ يمكن أن يكون الخطوة القادمة للصين التي تسعى للتغلب على مأزقها.

* جوزيف س. ناي | Joseph Samuel Nye ، أستاذ في جامعة هارفارد، ومؤلف كتاب "هل انتهى القرن الأميركي؟"، ومؤخرا تولى الرئاسة المشتركة لمناقشات مجموعة أسبن الاستراتيجية لتنظيم الدولة الإسلامية والتطرف في الشرق الأوسط.

«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top