رأي : المال هو كل شيء

نشر في 28-03-2013
آخر تحديث 28-03-2013 | 00:01
 بلاك ستون قد يصعب تصديق ذلك، لكن الميزانية العمومية الإجمالية لمجلس الاحتياطي الفدرالي (البنك المركزي الأميركي) كانت في عام 2009 أقل من تريليون دولار. في حين أنها تقارب اليوم 3 تريليونات دولار، مع استمرار الاحتياطي الفدرالي في ضخ 85 مليار دولار شهرياً لشراء سندات الخزينة والسندات المدعومة بالرهن العقاري. وبهذا المعدل، ستزداد الميزانية العمومية بأكثر من تريليون دولار في عام 2013 وحده.

مؤشر «ويلشاير 500»، وهو المقياس الأشمل لأداء سوق الأسهم الأميركية، ارتفع من 8,000 نقطة في عام 2009 ليصل اليوم إلى 16,000 نقطة، ما يثبت وجود ترابط بين السياسة النقدية وأداء السوق. ويأمل الاحتياطي اليدرالي بأن يؤدي ضخ الأموال في الاقتصاد من خلال شراء السندات إلى تحفيز النمو وإيجاد فرص عمل، لكن العالم لا يسير وفق هذه الطريقة.

ويبدو أن جزءاً كبيراً من هذه الأموال يصب في نهاية المطاف في الأصول المالية. ورغم أنه يمكن الادعاء بأن الاحتياطي الفدرالي يحقق هدفه جزئياً حيث ازدادت الميزانية العمومية إلى ثلاثة أضعاف، مع نمو السوق إلى الضعف في السنوات الأربع الأخيرة، لكن هذا التوسع النقدي لم يضع الولايات المتحدة على مسار نمو قوي.

موجة البيع المحمومة التي شهدتها مؤخراً أسواق الأسهم الأميركية تعزى جزئياً إلى الإشارات التي أسفر عنها محضر اجتماع لجنة السوق المفتوحة الفدرالية (FOMC) وفحواها أن الاحتياطي الفدرالي يدرس تخفيض المشتريات الشهرية هذا الصيف. كما ساهمت النتائج غير الحاسمة للانتخابات الإيطالية أيضاً في هذا التراجع بسبب تفاقم الشكوك بشأن الاقتصاد الأوروبي. غير أنه من المستبعد أيضاً حدوث تراجع حاد للسوق، حيث ان المستثمرين الذين أحجموا عن الشراء في فترة ارتفاع السوق في يناير كانوا ينتظرون فرصة لشراء الأسهم بأسعار أدنى من أسعار الذروة.

كان التحسن في يناير مرتبطاً بأحداث نهاية العام في واشنطن. حيث تم تفادي الهاوية المالية عن طريق جعل غالبية التخفيضات الضريبية التي تعود إلى عهد بوش دائمة، وتخفيض بعض الاقتطاعات. ولم أكن أعتقد أن هذه الصفقة ستجد ترحيباً في الأسواق المالية.

الواقع أن أحد بنود الاتفاق الخاص بالضرائب كان مفاجئاً لي. كنت أظن أن تخفيض ضريبة الرواتب بنسبة 2 في المئة سيتم إلغاء العمل به ببطء وعلى مراحل، لكن إيقافه كان فورياً. وأخشى أن يكون لهذه الزيادة الضريبية، التي ستقتطع جزءاً من رواتب جميع العاملين، تأثير سلبي على مستوى الإنفاق الاستهلاكي – وهو مستقر حالياً عند نسبة 71 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.

أداء السوق القوي في يناير تجاهل أيضاً ما يسمى «تقليص الإنفاق»، وهو الخطة التي وضعت سنة 2011 عندما أخفق الكونغرس والرئيس الأميركي في التوصل إلى اتفاق لخفض العجز بمقدار 1.2 تريليون دولار على مدى العقد المقبل. حيث يفترض أن يكون لتقليص النفقات تأثير سلبي إضافي على الاقتصاد وأن يتسبب بالمتاعب نتيجة تقليص الخدمات والبرامج الحكومية. ويشير انتعاش يناير إلى أن المستثمرين يركزون في الغالب على استمرار الاحتياطي الفدرالي في شراء السندات. وإلى أن يتوقف ذلك، ستستمر الأسهم في الارتفاع، وذلك خلاصة التفكير السائد.

الأداء القوي للسوق المترافق مع ارتفاع أسعار المساكن كان له تأثير إيجابي على ثقة المستهلكين. والسؤال هو ماذا سيحدث لهذه الثقة المتزايدة حين يتحرك سوق الأسهم انخفاضاً أو يشهد اندماجاً لبعض الشركات؟ الحقيقة أن المؤشرات الحالية لتفاؤل المستثمرين تعكس نظرة بناءة أكثر. ورغم أنها ليست في مستويات مبهجة تماماً، لكن توجهات المستثمرين وصلت إلى النقطة التي بدأت عندها التصحيحات في الماضي. وتكمن الصعوبة فقط في تحديد الحدث الذي سيشعل الفتيل.

الحقيقة أن أكبر المشاكل قد تنجم عن تراجع الخدمات نتيجة تقليص النفقات، إذ ينبغي تخفيض التكاليف الحالية للاستحقاقات الحكومية وباقي الخدمات. وعلى أي حال، عندما ننظر إلى ما ينطوي عليه تخفيض النفقات في حقيقة الأمر، نجد من الواضح أن المسؤولين الحكوميين المنتخبين سيضطرون إلى اتخاذ قرارات صعبة لا تحظى بشعبية. وبالإضافة إلى احتمال معاناة الاقتصاد من زيادة الضرائب وتقليص الإنفاق الحكومي، ثمة احتمال بروز مشكلة أخرى تتمثل في تقلص هامش الأرباح. فكما هو متوقع، ازدادت الأرباح بسرعة بعد وصول الركود إلى القاع في يونيو 2009 وعودة الانتعاش، لكن شيئاً قد حدث في هذه الدورة لم يسبق أن شهدته الانتعاشات الخمس السابقة: زيادة الأرباح بمعدل أسرع من زيادة الإيرادات. ففي دورة نموذجية تحقق المبيعات قفزات متسارعة، تليها في التسارع تعويضات العمل حيث يعاد توظيف العمال المسرحين وتتم مكافأة الموظفين الذين تحملوا فترة التباطؤ بزيادات أو مكافآت، أما الأرباح فتنتعش على نحو تدريجي. لكن الأمر لم يكن كذلك هذه المرة، حيث عمدت الشركات إلى استخدام السيولة الوفيرة في ميزانياتها العمومية لشراء معدات رأسمالية موفرة للعمالة، ما أتاح تحقيق نمو في الأرباح يتجاوز حتى نمو المبيعات. وهذا أحد الأسباب التي أدت أيضاً إلى استمرار الارتفاع الكبير في معدلات البطالة، حيث كانت تنخفض في مثل هذا الوقت من الدورات السابقة إلى حدود 5 في المئة، في حين أنها لاتزال الآن عند 7.9 في المئة.

الاستعاضة عن العمالة برأس المال تسببت في زيادة الإنتاجية في العامين 2009-2010. وبلغت الأرباح كنسبة من الدخل الوطني في الولايات المتحدة مستوى قياسياً عند 14 في المئة. كما حققت الأرباح كنسبة مئوية من مبيعات الشركات نسبة عالية أيضاً تتجاوز 9 في المئة. وساهمت إيرادات العمليات الخارجية أيضاً في تحقيق هذا الأداء. غير أن الركود في أوروبا هذا العام قد يحد من التأثير الإيجابي لهذا العامل.

من الأسباب الأخرى لزيادة الربحية انخفاض مستوى أسعار الفائدة على قروض الشركات. ولا يوجد أي مؤشر على أن أسعار الفائدة سوف ترتفع في المدى القريب، كما أنه من غير المرجح أن تنخفض عن مستوياتها الحالية. وكانت الأجور عاملاً آخر ذي تأثير كبير على الأرباح. ففي عشرينات القرن الماضي كانت الأرباح تمثل 24 في المئة من الأجور، ثم انخفضت إلى 11 في المئة في السبعينيات من القرن الماضي. ثم عادت الأرباح الآن لتمثل أكثر من 20 في المئة من الأجور.

وخلال العقد الماضي أحرزت الأجور الحقيقية بعض التقدم، وساهم ذلك في إثارة الجدل بشأن عدم المساواة. ولعب النمو والتعويضات في القطاع المالي دوراً في تغيير علاقة الأجور / الأرباح، لكن حصة قطاع التصنيع من إجمالي الأرباح في ازدياد، بينما هي في قطاع التمويل في انخفاض، وهذا ينعكس في المحصلة إيجاباً على الاقتصاد الأميركي.

وتقوم فرضيتا على أن النمو المعتدل للإيرادات المترافق مع ازدياد التكاليف من شأنه أن يسلط ضغوطاً على هامش الأرباح. لكن من خلال زيادة الاقتراض المدعوم بأسعار فائدة منخفضة، قد تتمكن الشركات من الحفاظ على هوامش ربح مرتفعة رغم ضغوط التكاليف. وقد أشار دوغ كاس من «سيبريز بارتنرز» إلى أن تقديرات مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» للأرباح كانت 25.5 دولارا في بداية موسم أرباح الربع الرابع الحالي. لكنه يقول الآن بعد أن أصدرت 80 في المئة من الشركات تقاريرها المالية ان التقديرات انخفضت إلى 23.5 دولارا، مما يمثل انخفاضاً بنسبة 8 في المئة. كما يلاحظ أيضاً أن 56 شركة قدمت في يناير توقعاتها لعام 2013، وكانت نسبة السلبية إلى الإيجابية 45 إلى 11.

لقد تأثر أداء السوق منذ بداية العام حتى الآن إلى حد كبير بالتوسع النقدي، بحسب رأيي، كما لعب انخفاض مستوى أسعار الفائدة دوراً إيجابياً في زيادة أرباح الشركات. وسبق لي أن توقعت أن تكون الأرباح مخيبة للآمال هذا العام، رغم أن الأدلة بشأن هذه النقطة لاتزال متضاربة حتى الآن. والآن تشق الأسهم طريقها نحو نمو سنوي آخر من خانتين في مؤشر «ستاندرد آند بورز 500»، لكن في حال ظهور ضغوط جديدة على هامش الأرباح، فيرجح حينها أن تكون العائدات أكثر تواضعاً.

* بايرون واين ، نائب رئيس شركة بلاك ستون

back to top