وجهة نظر: مسطرة العدالة في القروض
يرى عدد من أعضاء مجلس الأمة أن ضعف رقابة البنك المركزي على البنوك التجارية، في الفترة التي سبقت الأزمة المالية العالمية، يبرر إسقاط فوائد القروض الاستهلاكية والمقسطة على المواطنين، كما يرون أن إسقاط هذه الفوائد لا يتعارض مع مبدأ العدالة، بينما قد يتعارض إسقاط القروض مع هذا المبدأ.ورغم أن مسطرة العدالة مسطرة مطلقة وليست نسبية، وهي تعني في جانبها الاجتماعي، على الأقل، تكافؤ الفرص بين أفراد المجتمع والتوزيع العادل والمنصف للثروات بينهم، وإعطاء كل ذي حق حقه، فإنني سأصرف النظر لبرهة في هذه المجادلة عن الغياب الصارخ والواضح للعدالة في قضية إسقاط فوائد القروض.
كما سأفترض حسن النية لدى جميع الساعين الى تحقيق هذا الإسقاط، وأنهم وإن كانوا يدركون في قرارة أنفسهم أن مقترحهم يجافي العدالة الا أنهم يسعون الى إسقاط الفوائد إيمانا منهم بأهمية مبدأ رفع الضرر عن المقترضين المتعثرين، ومساعدتهم على الخروج من ضائقتهم المالية التي عانوا ويعانون منها، بسبب جشع المصارف في حساب الفوائد المتزايدة والمركبة، وتجاوز قسط القرض وفوائده الحد الأقصى المسموح به من دخل المقترض.خصوصية رفع الضررلكن ألا يثير ما تنطوي عليه دعوة النواب لإسقاط الفوائد من تعميم، لا يتوافق مع خصوصية مبدأ رفع الضرر عن المتضرر، كماً لا بأس به من علامات الاستفهام؟ فما نشر عن توجهات الداعين الى إسقاط الفوائد لا يتضمن تمييزا واضحا بين من هو مقترض متعثر ومن هو مقترض قادر على السداد، كما لا يتضمن فرزا بين فئات المقترضين وشرائحهم وأحجامهم المختلفة، وهذا يعني أن مبدأ رفع الضرر، الذي يدعون اليه، ليس محصورا في المتضررين، فإسقاط الفوائد المقترح يطال كل فئات وشرائح المدينين، أي ان مبدأ رفع الضرر ذاته، الذي يسعى بعض المشرعين الى تسويقه، يفتقر أصلا الى العدالة المنشودة. أزمة سلوكياتالأكثر استهجانا ان اسقاط الفوائد يكرس سلوكيات فردية غير حميدة، وهي سلوكيات سبق أن عانى الاقتصاد الكويتي من آثارها في الماضي، وأتمنى أن يعود الساعون الى تكريس هذه المعالجات الوقتية الى التاريخ القريب لأخذ العبرة من دروس تداعيات التدخل الحكومي لتعويض خسائر المساهمين في سوق الأوراق المالية في أواخر عقد السبعينيات الماضي، وهو التدخل الذي تسبب في سلوكيات مضاربية أوسع وأعتى أدت بعد مرور 5 سنوات فقط الى تفجر أزمة سوق المناخ التي تجاوز حجم مديونياتها 186 ضعفا مقارنة بحجم الأزمة السابقة. فهل يضمن الساعون الى اسقاط فوائد القروض اليوم عدم وجود اسقاطات مستقبلية لهذه المعالجة على سلوكيات الأفراد؟أخيرا وليس آخرا، العدالة ليست مفهوما غامضا أو فضفاضا أو مرنا لكي يدلو كل من شاء بدلوه في تفسيره، أو يحاول أن يدفع به الى الوجهة التي تتناسب وما يرمي هو الى تحقيقه. العدالة هي التساوي في الحقوق، والتوازن بين الحقوق والواجبات، ولها مسطرة شفافة كما هي شفافية الحق، والمنطق، والإنصاف، مسطرة لا تختلف من مجتمع الى آخر، أو من زمن الى آخر، وبالتالي لا يجوز لها أن تختلف من مسألة الى أخرى أو من شخص الى آخر.* أستاذ الاقتصاد – جامعة الكويت