شعر امرئ القيس يتميز بصور شعرية كأنها لوحات تم فيها رصد حركة دبيب الحياة في كل مخلوقاتها، فهو يرسم الحصان في كل حالاته التي يتميز بها حتى عن فصيلته ذاتها، وهو ما ينعكس أيضا على ناقته وحبيباته ومعاركه، وحتى رمال صحرائه، فعين الرسام لدية التحمت وتماهت مع إحساس الشاعر فولدت روح فنان عملاقة استطاعت رسم الصورة بالشعر، وأنطاقها بالكلام، فباتت صوره الشعرية ذات أبعاد ثلاثية متحركة بسينمائية عجيبة مثل أبياته الشهيرة التي يصف فيها الليل:

Ad

وليل كموج البحر أرخى سدوله / علي بأنواع الهموم ليبتلي/ فقلت له لما تمطى بصلبه/ وأردف أعجازا وناء بكلكل/ ألا أيها الليل الطويل ألا انجلي/ بصبح وما الإصباح منك بأمثل/ فيا لك من ليل كأن نجومه/ بكل مغار الفتل شدت بيذبل.

صورة رهيبة رائعة يتم فيها تصوير الليل مثل الموج الممتد الذي توحي بحركة امتداده وتطاوله، وبعد أوائله ونأي أواخره ، وفي مجمل حركته التي تم فيها دمج تراكم الموج مع شكل حركة قيام الجمل بين امتداده وتأخره وأبعاد صدره ليتطاول آخره، ليرسم صورة ليل طويل معبأ بالهموم تم تصويره بغرائبية عجيبة فلا تدري إن كان هذا موج بحر أو جملا ينهض  بتماوج بحر يتثاقل.

ثم تليها الصورة الأخرى: فيا لك من ليل كأن نجومه/ بكل مغار الفتل شدت بيذبل.

وهذه الصورة السريالية كأنها من رسم سلفادور دالي، فهذه النجوم التي تومض في سماء هذا الليل المتراكب مثل الموج، نجومه قد شدت بحبال قيدتها بجبل يذبل حتى لا تسري من سمائها وتغيب، صورة عجيبة لليل ليس في واقعه إلا حال من هم عظيم.

وهناك الصورة العالمية في وصف إقبال الخيل وشدة جريها، التي لا أظن أن هناك صورة شعرية في أي لغة أخرى قد تجاريها، وهذا البيت هو:

مكر مفر مقبل مدبر معا / كجلمود صخر حطه السيل من عل.

ومن شعره يستطيع القارئ له أن يرى صورة فوتوغرافية لما يصفه الشاعر مثل هذه الصورة التي رسمها بالشعر عن محبوبته: وجيد كجيد الرئم ليس بفاحش/ إذا هي نصته ولا بمعطل/ وفرع يزين المتن أسود فاحم/ أثيث كقنو النخلة المتعثكل/ غدائرها مستشزرات إلى العلا/ تضل العقاص في مثنى ومرسل/ وكشح لطيف كالجديل مخصر/ وساق كأنبوب السقي المذلل/ وتضحي فتيت المسك فوق فراشها/ نؤوم الضحى لم تنطق عن تفضل.

ولعل أهم ما في وصفه لهذه الحبيبة وهو صف طويل اخترت منه تفاصيله لشعر معشوقته التي لها عنق غزال مركب عليه هذا الرأس الكثيف الشعر الفاحم في سواده النابت مثل رأس نخلة بعثاكيل عديدة مثل العناقيد التي رفعت أجزاء من ذوائبها فوق رأسها، وجدلت أجزاء أخرى من غدائرها بخيوط، كما عقصت بعضها في تجعيدات وأرسلت الباقي منها، فيا له من شعر أشعرني بأسطورة ميدوزا الإغريقية وشعرها الثعابيني الرهيب، ثم انتقل لوصف ساقها وصفاء لونه، ودقة خصرها ونحوله، ومن ثم وصف فراشها ونومها فوق فتيت المسك المطحون والمنثور فوقه، لأنها امرأة مدللة من دلالها تنام للضحى لأن هناك من يخدمها.

ومثله مثل عمر بن أبي ربيعة في غزله الفاحش في جرأة عجيبة لذاك العصر الجاهلي الذي يبدو أنه يخفي أمورا غريبة، ربما لم أطلع عليها أو أنها في حاجة إلى مزيد من الكشف والتنوير، ولفت نظري منها هذا البيت الذي يقوله:

ويوم دخلت الخدر خدر عُنيزة/ فقالت لك الويلات إنك مُرجلي/ تقول وقد مال الغبيط بنا معا/ عقرت بعيري يا امرأ القيس فانزل/ فقلت لها سيري وأرخي زمامه/ ولا تبعديني من جناك المعلل/ فمثلك حُبلى قد طرقتُ ومرضع/ فألهيتها عن ذي تمائم محول/ إذا ما بكى من خلفها انصرفت له/ بشق وتحتي شقها لم يحول.

صورة عجيبة لا يمكن أن تحدث إلا مع رجل مثله.

يبقى امرؤ القيس شاعرا فذا استطاع التنبؤ بيوم موته ومكان دفنه في هذا البيت:

أجارتنا إن الخطوب تنوب،/ وإني مقيم ما أقام عسيب/ أجارتنا إنا غريبان ههنا/ وكل غريب للغريب نسيب.