التاريخ يقول إن جماعة الإخوان المسلمين هم أول من اغتال قاضياً بدوافع سياسية في تاريخ الدولة المصرية الحديثة، عندما اغتال عضوا الجماعة حسن عبدالحافظ ومحمود زينهم في نوفمبر 1947 القاضي أحمد الخازندار، عند خروجه من منزله في حلوان، متوجها إلى المحكمة في القاهرة، حاملا ملف قضية "تفجيرات سينما مترو"، المتهم فيها عدد من المنتمين للإخوان المسلمين، ليبت في القضية (اغتيال القاضي الخازندار، المصري اليوم – مارس 2009)، والتاريخ يبين أيضا أن للجماعة عداء دائماً للقضاء الذي تعتبره جزءاً من الدولة غير المسلمة، لأنه لا يحكم بالشرع أو تفسيرهم هم للشرع، ووفقاً لأهدافهم السياسية، لذلك كان هدف الإخوان بعد التغيير الأخير في مصر منصباً على التعرض للقضاء، لأنه يقف في وجه طموحاتهم في "أخونة" الدولة، عبر الدستور الذي يريدونه، وأجهزة الدولة التي يريدون إدخال كوادرهم لها، ولذلك لم يكفوا عن مماحكاتهم للقضاء وشخوصه حتى يتحقق لهم إخضاعه، الذي بدأت حلقاته عبر إبعاد النائب العام وكذلك بعض أعضاء المحكمة الدستورية العليا في مصر، ومازالوا مستمرين في ذلك.

Ad

وبنفس السيناريو والتكتيكات يخوض ربعهم الحدسيون في الكويت محاولات اختراق القضاء الكويتي وترهيبه وإخضاعه، عبر ما يروج من همز ولمز ضده، وأحياناً بخطاب يتلبس بثياب الواعظين الناصحين للقضاء، وهو في الحقيقة لترهيب القضاء وإخضاعه، ومن هذه المحاولات ما وجهه رئيس الاتحاد الوطني لطلبة الكويت- فرع جامعة الكويت السابق (1996-1998) الناشط فيصل اليحيى، وهو بلاشك من ربعهم، لأن المسيطرين على اتحاد الطلبة منذ أكثر من 30 سنة لا يمنحون كل عابر سبيل رئاسة اتحاد الطلبة، ونعود لما وجهه اليحيى في ندوة الصواغ الأخيرة من رسالة إلى السلطة القضائية... نعم بكل فخامة الكلمات والعنوان "رسالة إلى السلطة القضائية"!

ولكي أتعرف على مدى عمق رسالة السيد فيصل اليحيى وخبراته لكي يوجه مثل هذه الرسالة رجعت إلى سيرته الذاتية، فعلمت أنه من مواليد 1974، أي في الثلاثينيات من العمر، وحاصل على مؤهله الحقوقي في عام 1998، وخبراته المهنية لم تتجاوز 12 عاماً في إدارة الفتوى والتشريع، التي كان دربه أخضر وسالكاً إليها، كعادة المناصب التي تنتظر دائماً قادة اتحاد الطلبة، وللسيد اليحيى مشاكل في ترقياته عرضت على القضاء الإداري، ربما تكون قد شكلت طبيعة علاقته مع السلطة القضائية، المهم أن السيد اليحيى وجه رسالة إلى القضاء، بينما أساطين القانون في البلد مثل أبوالقانون الكويتي د. عثمان عبدالملك الصالح، رحمة الله عليه، وحمد الجوعان، شفاه الله، وحمد العيسى، رحمه الله، وغيرهم ممن مارس المهنة لعشرات السنين، لم يوجهوا يوماً رسائل إلى القضاء، رغم الأحداث الجسام التي مرت على تاريخ الكويت.

الخلاصة أن نغمة الرسائل التي توجه إلى القضاء تحت شعارات الوعظ، وفي باطنها التهديد بخراب الديرة إن لم يستجب لرغباتهم ويتجاوز هفواتهم التي تطورت إلى جرائم، لن تجدي نفعاً، ولن تخضع القضاء لأي أجندات سياسية، لأن القضاء لديه نصوص واجبة التطبيق، وعمل هو أدرى بكيفية أدائه، والقضاء يعلم أنه إذا خضع لأي طرف ذي أجندة سياسية فستسقط الدولة، لذلك فإن اللعب على هذا الوتر مكشوف، خاصة بعد ما يجري في مصر ويتابعه العالم كله، وأعتقد أنه مازال "بدري" على السيد فيصل اليحيى أن يوجه رسائل إلى القضاء.

***

السيد فيصل اليحيى يتساءل في ختام الندوة ذاتها أيضاً: "ليش الكويتيين زعلانين؟"... وأنا أتساءل بعد ليش زعلانين رغم أن الإخوان يسيطرون على الجامعة من 30 سنة، وأصدروا قانون منع الاختلاط، والدعاة تارسين الصحف والقنوات الفضائية، ودواوين رؤساء الوزراء المتعاقبين متروسة مستشارين من الجماعة، والصحوة والحجاب سائدة... والقطاع النفطي الإخوان هم قادته... والبنوك الإسلامية بكل فريج وعاير، ووزارة الأوقاف كل يوم حملة بفلوس أمانة الوقف (إلا حجابي وغيره) إلخ إلخ... أريد أعرف حقيقة ليش الكويتيين والحدسيين بالذات زعلانين؟!