لم يعد للحديث معنى ولا للحوار قيمة والدماء تسيل على الأرض، فإذا كانت أحجار الكعبة ترخص عند الله أمام دماء المسلم فلا قيمة لشيء بعد أن سالت الدماء.
قال حكيم "إن وجدت من يبرر القتل فلا تحاوره فقد مات ضميره".***الأحداث تتلاحق وتتوالى ولا يمكن لمقال أسبوعي أن يحيط بها ويعلق عليها كلها، ولكن هناك أمور تستحق التوقف عندها لأن البعض يخدع بها البسطاء الشرفاء، ويتخذها أساساً يبني عليه حكمه. ومن ذلك ما قيل في تبرير الانقلاب من أنك لو اشتريت "علبة فول" من الجمعية وتاريخ الصلاحية ممتد لأربع سنوات ثم فتحتها ووجدتها فاسدة فهل تأكلها أم ترميها؟ في إشارة إلى فساد حكم مرسي قبل انتهاء فترة ولايته.وعندما قرأت ذلك على صفحات "فيسبوك" ضحكت، فقد كانت أشبه بالدعابة، فالأمور السياسية لا تناقش بهذه السطحية المخلة إلى أن فوجئت ببعض الكتّاب ومؤيدي الانقلاب وفلاسفته يكررون ذات الحديث، فهل يمكن فعلاً أن تناقش السياسة والنظم الدستورية بأسلوب البقالات وأمناء مخازن الجمعيات التعاونية؟في الدول ذات الديمقراطية الراسخة هناك ما يعرف باستطلاع الرأي، حيث يتم تحديد شعبية نظام ما أو رئيس، ويتم عمل هذه الاستطلاعات كل فترة أثناء مدة حكم الرئيس المنتخب، وأحياناً تتدنى شعبية الرئيس إلى نسبة أقل مما نالها عند انتخابه، وقد تصل إلى أقل من النصف (حدث هذا مع أوباما وبوتين وبلير)، وهذه الاستطلاعات أسلوب علمي محترم لقياس شعبية الرئيس، ولو افترضنا جدلاً المساواة بين استطلاعات الرأي وتظاهرات الشارع فهل سمعتم يوماً عن استطلاع للرأي في أي مكان في العالم كان سبباً في عزل رئيس؟ هل سمعتم بهذا في أي مكان؟ هل نقبل أن تتحول مصر من دولة ديمقراطية ذات سيادة ودستور وقوانين إلى جمعية تعاونية؟ هل تقبلون بذلك؟يسوق الانقلابيون تبريراً أكثر وهناً وضعفاً بادعاء أن مرسي و"الإخوان" لم يلتزموا بالشريعة، ويتباكوا على الشرعية وأنهم لا يمثلون الإسلام، وأنهم يسيئون إليه... إلخ، وبعيداً عن هذا الحديث المتكرر نسألهم وهل جاء مرسي بفتوى شرعية أو عملاً بحديث شريف؟ إن رفض الانقلاب لا علاقة له بالدين ولا الإسلام، فلقد جاء مرسي باختيار ديمقراطي أصيل ونزيه، وبالتالي فرفض الانقلاب رفض سياسي وديمقراطي، ومحاولة إضفاء الشريعة والدين على الرفض، ثم إنكارها لإنكار الرفض لعبة قديمة ومكشوفة فلا تحاولوها.***إصرار الإعلام الأحادي الموجه إلى استخدام وصف "معارضي الرئيس مرسي" يؤكد عدم اعترافهم لا بالانقلاب ولا بوجود رئيس آخر، فإن كان من الطبيعي وصف معارضي الانقلاب بمؤيدي الرئيس المعزول، فكيف يكون هناك معارضون للرئيس، وقد تم عزله؟! الصواب أن يقولوا: مؤيدو الانقلاب أو مؤيدو السيسي مثلاً، أما الإصرار على وصف "معارضي الرئيس مرسي" فيعني إحساسهم الأكيد بشرعيته وألا شرعية بعده... إلى الآن على الأقل.***وفي النهاية كلمة لقائد الانقلاب: حاول أن تخرج من وهم الزعامة والشعبية فلن يكون هناك جمال عبدالناصر آخر، فلا مصر هي مصر 1952، ولا الشعب العربي هو ذاته في الخمسينيات، وببساطة أكثر فلم يلقِ عبدالناصر يوماً بياناً ويستشهد بأناس يخرجون بعد دقائق ليكذبوه، حاول أن تعيش الواقع وترى الحقائق، وكما يقولون فالرجوع إلى الحق فضيلة.وللحديث بقية إن كان للحرية متسع.
مقالات
«علبة الفول» والشريعة... والدكتاتور
02-08-2013