يؤمن الدكتور عبدالله الحسيني وزير الأوقاف المصري الأسبق وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر بضرورة عدم انشغال المسلمين بالإساءات المتكررة بين الحين والآخر للدين الإسلامي والتركيز على استصدار قوانين دولية لتجريم هذه الإساءات الصهيونية، وقال في حواره مع "الجريدة" إن هناك من يحاول طمس معالم الشريعة الإسلامية لتعارضها مع أطماعهم وأهدافهم غير النبيلة، مشيراً إلى أن الأزهر سيبث قريباً قناته الفضائية التي تستهدف تقديم صورة صحيحة عن الإسلام الوسطي المعتدل.

Ad

• أعلن الأزهر منذ أشهر إنشاء فضائية إسلامية تقدم وسطية الإسلام للعالم داخلياً وخارجياً، كيف ترون هذا الأمر في هيئة كبار العلماء؟

بالفعل يخطط الأزهر حالياً لإنشاء قناة فضائية تحمل المنهج الأزهري المعتدل والوسطي الذي يمثله الأزهر الشريف لمواجهة الفكر المنحرف والتيارات المتعصبة، والتصدي لمحاولات الغلو الفكري، وللدعوة إلى الدين الإسلامي بالحسنى والموعظة الحسنة، ومواجهة حالات التعصب الفكري الديني والمتشددين، وهذه الفضائية ستبث برامجها قريبا وتهدف إلى نشر منهج الدعوة الإسلامية الوسطي، وشرح الأخطاء، ومواجهة الفكر بالفكر، ومقارعة الحجة بالحجة، وتسعى إلى تقديم صورة حقيقية للدين الإسلامي والمنهج الأزهري الوسطي بعيداً عن أي غلو أو تشدد، وتصدير وسطية الإسلام للعالم أجمع.

• يتحدث الكثيرون عن التجديد في الفقه الإسلامي فكيف ترون أهم شروط التجديد في ظل الهجمة الشرسة التي يتعرض لها الإسلام خصوصا في ثوابته؟

أرى أنه لا حياة للمسلمين من دون تجديد، وهناك أهمية خاصة للتجديد، فالفقه الإسلامي ليس كالقوانين الوضعية، حيث إن أحكام الفقه وحيّ إلهي، ولكن يجب أن ندرك أن الفقه الإسلامي منه ما هو ثابت يعبر عنها الأحكام المعروفة من الدين بالضرورة والأحكام المنقولة بدليل قوي لا يقبل التأويل أو النسخ أو التعديل، فهذه ليست آراء لنا ولكنها أحكام شرعية من الله عز وجل، وهذه الثوابت لا يجوز الاقتراب منها، وعلى الجانب الآخر هناك قضايا تخضع للقاعدة التي سنها العلماء تحت عنوان «تتغير الأحكام بتغير الأزمان أو الأماكن»، وهذه القاعدة تعبر عن ضرورة التجديد فيما بُني من هذه الأحكام على العرف أو العادة أو المصالح المرسلة أو القياس فهذه تقبل التجديد، ثم إن الحوادث الطارئة أو النوازل الجديدة كلها لم تأت بها أحكام سابقة، بسبب تطور المعلومات وتطور الحضارات، وإحداث قضايا جديدة في قضايا النقل البري والبحري والجوي، ومشكلات في كثير من العقود الحديثة التي لم تكن معروفة في ما مضى.

• هل يعني ذلك أننا بحاجة إلى تطوير في بيان الأحكام الشرعية؟

من الضروري أن يكون هناك تطور في بيان الأحكام الشرعية، ليعرف الحلال من الحرام بدلا من أن يضطر الناس إلى العمل بالقوانين الوضعية ويصبحوا من الآثمين، فالإنسان حينما يجد رأياً ولو كان ضعيفاً منبعه من الإسلام، فإنه يفضل الأخذ به، والحمد لله فقد جاء الاجتهاد الجماعي، وهناك عدة مجامع فقهية منها مجمع البحوث بمصر، ومجمع الفقه الإسلامي بمكة المكرمة، ومجمع الفقه الإسلامي الدولي في جدة، ومجمع فقهاء الشريعة بأميركا، ومجمع الفقه الإسلامي في السودان، وهذه المجامع عالجت بفضل من الله تعالى كثيراً من القضايا الطبية والاجتماعية والاقتصادية والإنسانية والقضايا الشرعية التي فيها اختلاف، وبهذا فإن هذه المجامع الفقهية جددت الفقه وحرّكته وغطت ما يتطلبه كثير من الناس في بيان الأحكام الشرعية، ولذا أناشد كل من يطالبون بتجديد الفقه أن يؤكدوا أن يكون ذلك عبر الاجتهاد الجماعي، وأن يقوم بذلك العلماء الأعضاء في المجامع الفقهية المعتبرة، حتى لا يختلط الحابل بالنابل في هذا المجال.

• كيف ترى الإساءات المتكررة ضد الإسلام؟

أولا لابد ألا نهتم كثيراً بتلك الإساءات التي تريد شغلنا عن الاهتمام بمستقبل مجتمعاتنا، ولابد أن نتبنى خطاباً إعلامياً يؤكد للمتطرفين في الغرب أن الإساءة لديننا لن تؤدي إلا إلى تمسكنا به أكثر وأكثر، وليفعلوا ما يستطيعون فعله، فمهما فعلوا فلن يضروا الإسلام أو القرآن في شيءٍ، وإنَّما سيزيدون المسلمين إيماناً وثقةً بدينهم؛ لأن الله قد تكفَّل بحفظ كتابه، ولكننا مطالبون في الوقت نفسه بالعمل على مختلف المستويات لوقف هذا العدوان الشره على ديننا، ولابد أن نعمل على استصدار قوانين دولية تجرم الإساءة للإسلام مثلما فعل الصهاينة.

• هل هذا يعني أن الأمة الإسلامية مازالت مستهدفة رغم الضعف الكبير الذي تعانيه؟

هذه حقيقة لابد أن نعترف بها، حتى نستطيع مواجهة التحديات المفروضة علينا، فأعداؤنا يبذلون قصارى جهدهم حتى نظل في حالة الضعف والوهن الذي نعيشه اليوم وهم يستخدمون في ذلك معطيات حديثة تعد وسائل تدمير لكيان هذه الأمة وأخلاقها وتقويض بنيتها، وهدم بنية الفكر الإسلامي، وذلك بنشر الفوضوية والإلحاد والزندقة والإباحية والانحلال وكثير من عيوب العصر الحديثة، فأنا أهيب بالشباب أن يدركوا مخاطر هذا التوجه الذي يهدف إلى تحقيق مصالح وهيمنة أصحاب الفكر اللاديني الذين يسعون إلى تقويض أركان ديننا، وأنا أناشد شباب هذه الأمة التي أثبتوا مؤخرا أنهم ذخرها يعيشون همومها بحق أطالبهم بأن يلتزموا بشرع الله ودينه، ويقبلوا على تلاوة القرآن وتفهم أحكامه، والتخلق بأخلاق النبي، وأن يتعرضوا بالإضافة إلى ذلك، إلى كل ما تقدمه الثقافة المعاصرة ليعيشوا عصرهم فيجمعون بين الثقافتين وبالتالي يدركون ما ينبغي عليهم أن يفعلوه في العصر الحاضر.

• هناك من يطالب بدولة دينية في كثير من المجتمعات العربية والإسلامية فما تعليقك على هذه القضية؟

نرفض الدولة الدينية والإسلام لم يعرفها على مدار تاريخه حتى في صدر الدولة الإسلامية الأولى ودستور المدينة الذي وضعه النبي (ص) أسس للدولة المدنية الكاملة.