بين مقال الأسبوع الماضي عن إذكاء نار الفتنة الطائفية بين الطوائف الإسلامية، ربما كخطوة أولى تلحقها نيران أخرى بين الديانات والأعراق المختلفة التي يتشكل منها النسيج العربي وبعض القوميات التى تعيش في الأوطان العربية، وبين مقال هذا الأسبوع الذي نحاول من خلاله فهم ما يجري من حولنا شهدت مصر أحداثا طائفية بين الشيعة والسنة، وكانت صورة مؤلمة لما يمكن أن يكون عليه الصراع الشعبي في ظل غياب القانون الذي نحتكم إليه لمحاكمة الأشخاص لا الفكر، وشهد لبنان صراعاً طائفياً أيضاً بين الشيعة والسنة وتدخل الجيش لانهاء الصراع، واستمرار الأحداث في العراق وسورية تحت المسمى الطائفي نفسه. هذه الأحداث التي تشكل نواة الصراع الطائفي القادم ليست وليدة صدفة ولن تكون أحداثا عابرة لن يترتب عليها ما هو أكبر من حجمها.

Ad

كنا سنجيب عن سؤال طرحه العقل المدبر للسياسة الجديدة في الشرق الأوسط برنارد لويس "ما الخطأ الذي حدث؟"، وهو يقصد الخطأ الذي حدث في العلاقة بين الغرب والاسلام وكيف يمكن أن تشكل الحرب في العراق البداية الأميركية لما يمكن تسميته عصرنة Modernize الشرق الأوسط. ويبدو أن تلك الخطوة ليست هي الحالة الآنية التي يشهدها العالم العربي، فما يحدث الآن هو المخاض الأولي لتلك النهاية المطلوبة.

عمليا، نحن ساهمنا في هذا المخاض وقبلنا أن نستدرج اليه ويستطيع أي باحث اعلامي أن يرى العقول التي تهيمن على ماكينة الاعلام العربي والأصوات التى تتبنى صياغة العقلية العربية الجديدة وتدير خطابة الجديد.

لقد تنامى الصوت الديني المتطرف لدى الجانبين في محاولة للعودة الى نزاعات تاريخية ماضوية يقودها رجال دين لهم تأثيرهم الكبير على العقول الطرية التى عانت أمية فكرية في ظل نظام تعليمي هامشي فشل في صناعة المفكر العلمي، الذي ان وجد لا يجد مجالا لصوته وسط هذا الخطاب الرديكالي المتشنج.

تضاءل الصوت الفكري العقلاني، وان كان صوتا دينيا، تحت بشاعة التكفير والتغريب ونجح الصوت الطائفي المتناحر في جر الشباب الى أتون حرب طائفية ستتسع رقعتها وتمتد في السنوات القادمة لانهاك الأمة العربية واضعافها وسهولة تقسيمها تمهيدا لتنفيذ مخطط الشرق الأوسط الجديد.

"الخطأ الذي حدث" والذي عالجته أميركا بنجاح في ايجاد بؤر اشتعال طائفية محاولة ابعاد ما يسمى بالارهاب الاسلامي عن مركزها. ونجاحها في جر شبابنا الى هذا الصراع الطائفي البغيض هو الخطأ الذي فشلنا في علاجه وايقافه.

فشلنا في التصدي للصوت الذي يرحب بالدماء وسياسة الغاء الآخر والقضاء عليه لا التعايش معه. فشلنا فكريا في ايجاد صوت ديني معتدل أو قناة فضائية واحدة تضم مفكرين ينتمون الى هذا العصر الذي نعيشه دون أن نتعايش معه، فشلنا في ايقاف المد الطائفي والتصدي لدعاته وأحزابه التي تدخلت في ثورات الشعب على الطغاة، وسمحنا لهؤلاء الطغاة في تغيير وجه الثورة الشعبية من ثورة ضد الظلم الى صراع طائفي.

نحن الآن أمام فتنة جديدة استسلمنا لها، وكما هي عادتنا دائما سنتركها تشتعل حتى نرى أين تقف وعلى أي شيء تنتهي دون أن نتمكن من ايقافها. فتنة لن تطفأ نارها حتى يتحقق مشروعها الذي رسمه صاحب هذا المشروع وسنكتفي بالنفخ عليها من بعيد لابعادها عن ثيابنا ولن ننجح.