يقع الواحد منا في خطأ جسيم حين يظن أنه حين يتصدق أو يساعد مسكيناً ذا حاجة ما بأنه هو المتفضل، والحقيقة أن السائل المحتاج هو صاحب الفضل في المقام الأول والأخير.

Ad

أقول هذا لأن القدرات والامتيازات التي يمتلكها الإنسان، سواء أكانت مادية أم جسدية أم رصيداً من المعارف والعلاقات، ليست سوى أدوات ابتلى الله بها هذا الإنسان في الدنيا ليختبره فيرى ما يفعل بها، أيكفر أم يشكر، وما كان المرء ليأخذ منها شيئا بعد الموت وحسبه أن من استخدمها في الخير في دنياه كانت ذخرا ورصيدا له في الآخرة، ومن استخدمها في الشر في دنياه كانت وبالاً ونكالاً عليه في الآخرة. وحين يمد السائل ذو الحاجة يده لمن آتاه الله مالاً فإنه في الحقيقة يعطي هذا الشخص فرصة أن ينفق في الخير مما استودعه الله عنده، فيزكي نفسه وبقية ماله وينجيه بذلك من الوقوع في نار الشح ونار الإنفاق في الشر أو في غير ما هو خير على أقل تقدير، بل إن هذا السائل حين يمد يده نحو من يملك سائلا إياه أن يعطيه فإنه هو في الحقيقة من يعطي الفرصة لهذا الذي يملك كي يتصدق فيمارس تلك القُربة التي جاء في الحديث الشريف أنها قادرة على إطفاء غضب الرب، وجاء أيضا في الحديث الآخر أنها تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار.

وبنظرة من زاوية أخرى، فإن على من يتأفف حين يأتيه السائل المحتاج أو ذاك الذي يجد العطاء ثقيلا على نفسه أن يحمد الله عز وجل أن جعله في موضع من يُسأَل لا موضع من يَسأَل، وألا يشح ويبخل فتنقلب به الأحوال فيصير في ذلك الموضع، وما ذلك بصعب أو بعيد.

وقد جاء في بعض الروايات أن السيدة عائشة رضي الله عنها كانت تعطر الدنانير والدراهم قبل أن تتصدق بها، فتسأل عن ذلك فتقول: إنني أضعها في يد الله تبارك وتعالى قبل أن تصل إلى يد المسكين. وهذا من الفقه والأدب العظيم حيث كان جليا وواضحا لديها رضي الله عنها أن المسكين ليس سوى قنطرة أتيحت لها لتمر فوقها نحو مرضاة الله؛ ولذلك كانت تحرص أشد الحرص على أن تؤدي صدقتها بأحسن حال وعلى أكمل وجه.

لنفرح بعمل الخير ولنشكر الله عز وجل حين يبعث في طريقنا من يتيحون لنا الفرصة لممارسة هذه القربة العظيمة للتقرب منه سبحانه وإطفاء نار غضبه ومحو خطايانا وإطفائها كما يطفئ الماء النار، ولنحذر الوقوع في فخ الرياء والغرور ليس أمام الآخرين فحسب إنما أمام أنفسنا، فلا يظن الواحد منا بأنه حين يتصدق وينفق ويعطي ولو كان كثيراً بأنه قد بلغ مبلغاً عظيماً، وإنما حسبه أن أعطى وأنفق من مال الله الذي آتاه إياه ولو شاء لمنعه عنه وحرمه وجعله مع ملايين المحرومين في أنحاء الدنيا.