قام الرئيس باراك أوباما بعدد من التغييرات الذكية في حرب الطائرات بدون طيار الأميركية وسياسات الاعتقال المعتمدة اليوم. إلا أنها لن تُرضي، على الأرجح، الأميركيين كافةً. لماذا؟ لأن تعديل عناصر فردية في حرب الولايات المتحدة العالمية ضد الإرهابيين الإسلاميين سيبقى ناقصاً، ما دام أساسها (سماح الكونغرس عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر باستخدام القوة ضد تنظيم القاعدة) متداعياً.

Ad

فضلاً عن الإقرار أخيراً بأن أربعة مواطنين أميركيين قُتلوا خلال غارات لطائرات من دون طيار، أعلن أوباما عن "توجيهات سياسية" جديدة ترفع معايير هذه الهجمات في باكستان والصومال واليمن، وغيرها من الأماكن حيث تخوض الولايات المتحدة حرباً غير معلنة. فستقتصر الأهداف على مَن "يشكلون خطراً متواصلاً ووشيكاً على الأميركيين" ومَن يُعتبر إلقاء القبض عليهم خطراً أو صعباً، وهكذا تكون الهجمات، التي لا تُعرف فيها هوية المستهدَفين، والتي تحدَّد بالاستناد إلى مراقبات سلوك مريب، قد بلغت نهايتها.

عندما تمكن الرئيس أخيراً من التفوه بكلمة على هامش محاضرة انهالت عليه فيها الأسئلة في جامعة الدفاع الوطني، ذكر أنه يجدد جهوده لإقفال سجن خليج غوانتنامو في كوبا. كذلك سيضغط لإرسال المزيد من المعتقلين إلى بلدانهم، مثل اليمن، الذي كان قد أوقف نقل السجناء إليه عام 2010. لا شك أن هذه المبادرات تستحق الثناء، إلا أنها لا توضح مستقبل السجناء الذين يُعتبرون خطراً على الولايات المتحدة أو الذين ترفض بلدانهم استقبالهم. (وما دام الكونغرس يمنع استخدام الأموال الفدرالية لنقلهم إلى سجن في الولايات المتحدة، فمن المؤكد أن سجن غوانتنامو سيبقى مفتوحاً).

أعمال مبررة

لا شك أن هذا تقدّم، ولكن يجب ألا نعتبر هذه مرحلة تغيير جذري في الحرب ضد الإرهاب، أو محاولة حقيقية، على حدّ تعبير أوباما، "لإعادة تعريف طبيعة نضالنا ونطاقه". على العكس، يثير خطاب أوباما برمته السؤال: بعد 12 سنة على اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر، هل يمكننا أن نواصل استغلالنا هذا الهجوم المميت لنبرر أعمالنا العسكرية الممتدة من باكستان حتى شمال إفريقيا؟

صحيح أن أوباما يشير غالباً إلى صلاحياته التي تخوّله حماية الأرواح الأميركية بموجب المادة الثانية من الدستور، إلا أن الأساس الدستوري الحقيقي لأعمال الولايات المتحدة العسكرية ضد الإرهابيين يتمحور في المقاوم الأول حول الصلاحية التي أعطاها الكونغرس في 14 سبتمبر عام 2001 للرئيس، فأتاح له استعمال "القوة الضرورية والمناسبة" ضد مَن نفذوا اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر أو مَن يساعدون تنظيم "القاعدة" ويؤوونه.

بدت تلك الصلاحية منطقية بغية غزو أفغانستان لمطاردة أسامة بن لادن والإطاحة بحركة "طالبان" التي تحميه في شتاء عام 2002. لكنها مبرر مضحك لإطلاق الصواريخ على مقاتلي حركة الشباب في الصومال اليوم (حتى لو رأينا في هذه الصلاحية، كما تفعل إدارة أوباما منذ عام 2009، حقاً ضمنياً باستهداف "القوات المرتبطة" بتنظيم "القاعدة"). ولا شك أن ركاكة هذا المبرر تؤذي شرعية أي وجه آخر من جهود الولايات المتحدة لمحاربة الإرهاب، من ضربات الطائرات بدون طيار إلى سجن غوانتنامو ومساعدة الحكومة في مالي.

يشاطرني كثيرون في الكونغرس رأيي: فخلال جلسات استماع لجنة الخدمات المسلحة التابعة لمجلس الشيوخ الأسبوع الماضي، شكك السيناتور جون ماكين، الذي لا يُعتبر من الحمائم في مسألة التطرف الإسلامي، في ما إذا كانت هذه الصلاحية لا تزال قائمة، نظراً إلى "التغييرات الجذرية التي طرأت على مشهد هذه الحرب ضد التطرف الإسلامي، تنظيم القاعدة، وغيرهما".

من الواضح أن سحب عدد كبير من جنودنا من أفغانستان السنة المقبلة سيفرض على إدارة أوباما أن تقدم أسساً جديدة للحرب على الإرهاب. يذكر أوباما اليوم: "شارفت الحرب الأفغانية على نهايتها. أتطلع بشوق إلى حض الكونغرس والشعب الأميركي على تعديل تفويض استخدام القوة العسكرية وإلغائه في النهاية".

خياران

ثمة خياران حقيقيان: يستطيع البيت الأبيض والكونغرس، كإجراء وقائي، وضع إطار تشريعي جديد يسمح للسلطة التنفيذية بتوسيع جهودها العسكرية أو تعديلها كما تراه ضرورياً، محترمةً في الوقت عينه فصل السلطات. أو تستطيع الولايات المتحدة أن تعود إلى الوضع الذي كان قائماً قبل 11 سبتمبر، مع اعتماد الرئيس على صلاحياته في المادة الثانية لتنفيذ جهود محدودة لمكافحة الإرهاب، والوثوق بأن الكونغرس يستطيع اتخاذ التدابير الضرورية بسرعة للسماح باستخدام قوة أكبر في حال وقع حدث مهول آخر.

نلاحظ اليوم محاولات عدة لإنشاء إطار عمل جديد، ولعل أبرزها تقرير أعدته مجموعة من الأكاديميين في "معهد هوفر"، منهم جاك غولدسميث من كلية الحقوق في هارفارد، الذي ترأس مكتب الاستشارة القانونية في وزارة العدل خلال عهد الرئيس جورج بوش الابن.

باختصار، يسمح هذا الاقتراح للسلطة التنفيذية بإضافة أناس ومجموعات إلى لائحة أهداف العمل العسكري، التي تشبه إلى حد ما لائحة وزارة الخارجية للدول الراعية للإرهاب. ولكن على هذا القانون أن يحدد بوضوح مصطلحات مثل "الخطر الوشيك" و"العمل العدائي". كذلك على الرئيس أن يبقي الكونغرس (والشعب ضمن حدود الأمن القومي) على اطلاع على كل التطورات، مقدّماً كل الوثائق الاستخباراتية الضرورية في كل مرة تُضاف مجموعة إلى هذه اللائحة أو تُنفَّذ مهمة عسكرية. علاوة على ذلك، يجب أن يرتكز هذا القانون على قانون الدفاع الوطني عن النفس الدولي الراسخ. وينبغي أن تُحدَّد مدة صلاحيته بسنتين، مثلاً.

يحتوي هذا الاقتراح على الكثير من التفاصيل الإيجابية: يزيد من شفافية السلطة التنفيذية وإشراف الكونغرس على الأعمال العسكرية. كذلك يرفع معايير "الخطر الواضح" التي تعتمد عليها ضربات الطائرات بدون طيار. ويمنعنا هذا الاقتراح أيضاً من دخول حالة "الحرب الدائمة"، التي تبقى احتمالاً مقلقاً في ظلّ تفويض عام 2011 الذي لا تنتهي صلاحيته.

رغم ذلك، لا نستطيع القبول به، على الأقل بشكله الحالي، فالكونغرس وحده يستطيع إعلان الحرب، ويشمل ذلك تحديد ضد مَن نشن الحرب بدقة، لكن منح السلطة التنفيذية حرية إضافة أسماء إلى لائحة المقاتلين الأعداء يقوض هذا المبدأ الدستوري، مهما كانت الأطر العامة التي أحيط بها. لذلك إذا طُلب منا استبدال التفويض الحالي وخُيرنا بين خطة هوفر والعودة إلى الوضع القائم قبل عام 2001، نقرر الرجوع إلى الماضي.

من حسن الحظ أننا لسنا مضطرين إلى اتخاذ هذا القرار اليوم، فأمامنا نحو سنة قبل أن يجعل انسحاب أفغانستان تدبير الكونغرس عام 2001 باطلاً تماماً. أمامنا متسع من الوقت لندرس المزيد من الاقتراحات ونحدّد بشكل أفضل طبيعة التهديدات المستقبلية.

لا شك أن الخطوات التي أعلنها أوباما تُشكّل تحسينات جيدة لتلك المرحلة الانتقالية، إلا أنها لا تزال بعيدة كل البعد عن الإجابة عن السؤال: هل ما زلنا حقاً في حالة حرب؟