لنا الصباح!

نشر في 10-01-2013
آخر تحديث 10-01-2013 | 00:01
 مسفر الدوسري الليل بالنسبة لي، ليس بروعة الصباح...

مهما كدّس الأغاني في زواياه فهو لا يَطرب، ومهما أنصت للأنغام فهو لا يسمعها لأنه... أصمّ!

مهما تشجّر بالحلم لن يحبل بالثمر،

ومهما تسربل بالغموض ليوحي لنا بهيبته، فهو ليس سوى أجوف محتال!

ومهما تكحّل بالسهر، ستبقى عيناه مطفأتين لا تبصران، ولن يزيدهما السهد جمالاً...

مهما زيّن عباءته الحالكة بنيون النجوم، وإن حمل بين يديه بلّورته القمرية، يبقى أقلّ قدرة على استحضار محفزات الحياة،

الليل لا يشبه سوى مقبرة تكتظ بالاشباح، والأنين المكبوت، والمشاعر المختنقة، والأغاني التي تُتخذ ذريعة للدموع، والوحدة الموحشة، والأيدي التي تلتقي خلسة برعب, والوجع الذي يمارس عرض "ستربتيز" مقزز في الظلام لإخفاء ترهّل جسده البشع ونتؤاته القبيحة!

لا أعرف سببا مقنعا لمحبة العشاق للسيد الليل...

ولا سببا لدسّ قصائدهم في جيوب معطفه، ورسائلهم التي غمسوها بعطر دموعهم، وتحاياهم لمن يحبّون...!

ولا لما هم اتخذوه صديقاً ونديماً وأميناً ومستودعاً لأسرارهم، حجتهم بذلك أنه ستّار!

هذا السبب تحديدا يغيظني... فأنا لا أعرف شيئاً يستحق الستر سوى الذنب، والعيب، وما نعتبره عورة...

هل يصنّف العشاق مشاعرهم تحت أيّ من هذه الصفات؟!

لماذا هم بحاجة لخدمات السيد الليل، وجمائله عليهم؟!

الحب ينتمي لفصيلة الصباح، فلماذا يستفزع الحب "وينتخي" بالليل؟!

الحب يكتب الشعر فلماذا يضعها في كف ضريرة، بينما يتجاهل يداً مبصرة ممدودة إليه؟!

الحب يطرب لأصوات العصافير والحمام والقبّرات والعنادل، فلماذا يخبئ أذنيه في "نوتة" الخفافيش ويصفّق لأنغامها؟!

الحب مصدر آمان للقلوب المصابة بالوحشة، فكيف يتداوى بالخوف؟!

أغاني أم كلثوم لا تجعل الليل أكثر اتساعا لقلبين... بل تجعله على مقاس قلب واحد موجوع!

إن أغاني فيروز الممتلئة بالصباحات في اعتقادي أكثر قدرة على فتح أفق يتسع لأكثر من قلب للسير باتجاه المطر...

الصباح هو الصديق المشتهى للحب...

نوره المشع والمبهج... يشبه رسالة الحب النقية،

تفتح زهوره تعبيراً عن فتح شهيتها للشرب من مناهل النور، يشبه تماماً تفتح ورود القلوب للارتواء من أشعة الحب.

قطرات الندى التي تقبّل أوراق الشجر في بواكير الفجر وبشائر الصباح هي ذاتها التي تبلل غصون العمر في بشائر الحب وتلبسها ردائها الأخضر الخلاب...

الإحساس بالحياة الذي يمنحه لنا الصباح، هو ذاته الإحساس الذي يمنحه الحب لنا،

الصباح خلاق وكذلك الحب،

الصباح أمل، وكذلك الحب،

الصباح يختال دائماً بالشذى والعبير ويعبئ بهما زجاجات عطره ليتطيّب، والحب يعشق الطيب والعطور، الصباح يجيد صناعة المرايا، والحب نرجسي الطبع يعشق أن يتمرى،

الحب لا يستحق أقل من أن يحمل على مواكب من نور، لا على عربة من الظلام،

وعلى العشاق أن يعيدوا النظر بعلاقتهم بالليل، ويصحّحوا علاقتهم في الصباح، فهو أكثر شبهاً بمشاعرهم، ويليق بها أكثر.

back to top