ثلاث نقاط شاملة هي الأهم في كل ما تم طرحه في الندوة التي عقدها حزب الأمة الأسبوع الماضي تحت عنوان "الحكومة المنتخبة، الآفاق والمعوقات". النقطة الأساسية الأولى هي رفض أي محاولة بل أي تفكير بالعودة إلى العملية السياسية السابقة جملة وتفصيلا، والنقطة الأساسية الثانية هي أن أي إصلاح سياسي حقيقي يمكن له أن ينقذ البلاد والعباد لا يمكن له أن يمر عبر الدستور الحالي بهيئته الحالية، والنقطة الأساسية الثالثة هي ضرورة قيام حوار وتنسيق يجمع المؤمنين والمتفقين على هذه الخطوط العامة لرسم آلية التحرك القادم وتحديد شكلها.

Ad

هذه النقاط الثلاث، التي يسعدني أن أكون من أوائل من طرحوها عبر مقالات عديدة ماضية من هذه الزاوية بعينها، هي الأسس الصلبة لأي تفكير جاد بعيد النظر لإصلاح حقيقي لهذه البلاد. العملية السياسية السابقة وفي أوج قوة الجناح البرلماني المعارض آنذاك، وكما رأينا جميعا، لم تثمر عن أي نجاح إصلاحي ذي قيمة فعلية ولم توقف عجلة الفساد حقا، بل على العكس من ذلك تماما انتهت إلى السيطرة الكاملة للسلطة على كل مقاليد الأمور، استنادا إلى ذات الدستور وتفاسيره وشروحاته وتأويلاته!

وبطبيعة الحال فإن هذه الأفكار المتقدمة جدا، وقبل أن ترفضها السلطة، وهي ستفعل ذلك بلا ذرة من شك، ستجد لها رفضا كبيرا من قطاع واسع من المعارضة الحالية لأنها وبكل بساطة ستؤدي إلى ضياع المكتسبات الفردية وغياب نجومية الرموز وتنحيها جميعا لصالح الفكرة العامة وعمل الفريق والأحزاب والبرامج والمشاريع الجماعية، وهذا أمر يكرهونه ولا يريدونه.

ومن جانب آخر، فإن الدفع إلى عودة العملية السياسية السابقة هو مطلب، على صعوبته الظاهرة، قد يتحقق في المنظور القريب، أي في غضون أشهر أو ربما عام أو اثنين، لأنه خيار ستدرك السلطة أنه الأقل تكلفة وإيلاما من كل الخيارات المصيرية التي ستتكشف شيئا فشيئا في القادم من الأيام، وأما الرفض المطلق للعودة إلى العملية السياسية السابقة والارتفاع بالسقف عاليا عبر المناداة بدستور جديد وقيام حكومة برلمانية وأحزاب وكل مقتضيات المسألة، أي شكل جديد للدولة بالكامل، هو هدف استراتيجي قد يكون بعيد المدى، وسيتطلب لذلك صبرا وجلدا ومثابرة وتضحيات. ولهذا السبب فإن قطاعا معتبرا من المعارضة الحالية يطربون فقط لفكرة العودة إلى عمليتهم السياسية السابقة لاسترداد مكتسباتهم الماضية ونجوميتهم الآفلة، ويرفضون بل يحاربون كل ما سواها.

خلاصة القول وتأكيدا على ما طرح في الندوة، وكما كتبت ورددت مرارا، كل الخيارات دون قيام الحكومة البرلمانية والأحزاب وصياغة الدستور الجديد هي عبث مطلق في ظل ما آلت إليه الأوضاع وبعد اتضاح حقيقة إيمان السلطة بالديمقراطية، ولهذا فمن الضروري اليوم أن تبدأ التيارات والنخب الناشطة المؤمنة بهذه الخطوط العامة للتغيير السياسي المأمول بالتقارب مع بعضها بعضا، والتخلي عن "الفردانية" والشخصانية ونزعة العمل المستقل، والمباشرة دون إبطاء في عملية حوار وتنسيق للوصول إلى تحقيق هذه الأهداف من خلال عمل سياسي سلمي صلب لا يلين!