تصريحات وزير المالية بشأن قوة الاقتصاد الكويتي ومتانته مطمئنة وإيجابية خصوصاً في ظل الإعلان عن الفوائض الكبيرة في ميزانية الدولة التي تزيد على 12 مليار دينار خلال عام واحد فقط، إضافة إلى وضعية ميزان المدفوعات، وهي زيادة الصادرات الكويتية إلى العالم الخارجي بقيمة 22 مليار دينار كويتي أيضاً، وتمثل أكثر من 43% من الناتج المحلي الإجمالي.

Ad

الشيح سالم عبدالعزيز الصباح من الشخصيات الفنية القديرة، ولا تملك سوى احترام مهنيته وخبرته في الشؤون المالية، ومن حقه أن يعلن المؤشرات الرقمية التي تدعم الاقتصاد الوطني وسمعة الكويت المالية على الصعيد العالمي، وكنت أتمنى عليه شخصياً أن يعقد مؤتمراً صحافياً بوجود أعضاء الحكومة والقيادات العليا في البلد ليبين حقيقة الملاءة المالية، فالرجل وبكل أمانة ربط الحالة المالية الإجمالية بتطورات السوق النفطية، في إشارة واضحة بأن قوة الاقتصاد الكويتي والفوائض المليارية التي ننعم بها الآن ليست سوى بركة إلهية من موردنا الوحيد، وكأن لسان الحال يقول إننا ورثنا كنزاً من أحد أقربائنا دونما عناء أو جهد.

وحاول الوزير أن ينبه بعبارات سريعة وموجزة إلى خطورة هذا المؤشر رغم أهميته الإيجابية عندما نادى بضرورة تكثيف الجهود المشتركة من أجل تعزيز الأداء الاقتصادي على أسس مستدامة.

الأسس المستدامة التي يقصدها الوزير تتمثل بنقاط عدة أهمها على الإطلاق ربط الأداء الاقتصادي بالمشاريع التشغيلية والرأسمالية بحيث يمكن قياس إنتاجيتها ونسبتها من الناتج المحلي، وهذه من النقاط الرئيسة التي يجب شرحها ليس للرأي العام المتواضع في ثقافته المالية، إنما لأصحاب القرار والمسؤولين المباشرين على خطة الدولة وبرنامج عمل الحكومة، لأن نسبة ذلك تكاد تصل إلى الصفر!

والنقطة الأخرى التي ينبغي توضيحها من خلال مؤشرات رقمية صريحة ورسمية هي إنتاجية الموظف الحكومي، ومساهمتها في تقديرات الناتج المحلي الإجمالي تبعاً للميزانية المخصصة لبند الرواتب والأجور التي تصل إلى 35% من الميزانية العامة للدولة، فحتى سنوات قليلة مضت لم تتجاوز إنتاجية الموظف الكويتي نسبة 10% وفق تقديرات المنظمات الدولية، وعلى رأسها أجهزة الأمم المتحدة وتقارير التنمية البشرية التابعة لها.

أما النقطة الأخيرة في هذا الصدد فتمثل بنسبة ما تحققه القطاعات الأخرى أو بدائل النفط في الناتج الوطني الكويتي، والتي بدورها لم تتجاوز 5% رغم الفوائض الكبيرة التراكمية على مدى السنوات العشر الماضية.

هذه بعض الاختلالات الكبيرة في المالية العامة للدولة، التي تحتاج إلى توضيح حقيقي واعتراف رسمي ومعالجة جادة، وفق برامج محددة في إطار زمني وفكري قابل للقياس والمتابعة بل المحاسبة.

قد تكون هذه التصريحات الإيجابية نعمة، ورداً على التحذيرات المستمرة بأن الكويت مقبلة على الإفلاس خلال سنوات قليلة قادمة، ولكنها من جانب آخر نقمة، فالإعلان عن هكذا فوائض مالية في ظل خدمات متردية ومشاكل البطالة والإسكان وغيرها تثير غضب الناس على الحكومة، والأكثر من ذلك خطورة وجود هذه الأموال السائلة في بنوك ومؤسسات غربية تحوم حولها أخطار الركود الاقتصادي واحتمالات انفجار أزمات مالية جديدة، فنتحول معها إلى مصداق للمثل الشهير "مال البخيل ياكله العيار"!